تقليص عجر الميزانية في المغرب مع تحسين مؤشرات الدين العمومي خلال 2025

العدالة اليوم

العدالة اليوم

 

كشفت معطيات رسمية صادرة عن “وزارة الاقتصاد والمالية” تسجيل تحسن ملحوظ في مؤشرات المالية العمومية بالمغرب خلال عام 2025.

وهكذا من المتوقع أن ينخفض عجز الميزانية إلى 3.5% من الناتج الداخلي الخام بنهاية عام 2025، مسجلا تحسنا ب0,3 نقطة مئوية. مقابل 3.8% عام 2024. فيما يتجه الدين العمومي إلى الاستقرار في حدود 67%.

يرجع هذا التحسن لاستراتيجية مالية متكاملة تهدف إلى ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية وتعزيز استدامة المالية العمومية. تماشيا مع التوجيهات الملكية الهادفة إلى تمويل الأوراش التنموية الكبرى دون المساس بالتوازن المالي للدولة.

كما يأتي هذا التحسن استمرارا للمنحى التنازلي الملحوظ الذي سجلته المملكة خلال السنوات الأخيرة، حيث تراجع عجز الميزانية من 7.1% عام 2020 ، قبل أن يستقر عند 3.8% عام 2024. فيما تشير التوقعات الحكومية المحينة أن يبلغ عجز الميزانية نسبة 3% من الناتج الداخلي الخام على المدى المتوسط برسم الفترة الممتدة من 2026 وإلى غاية 2028.

 مؤشرات مالية في منحى تصحيحي

تؤكد الأرقام الحكومية أن عجز الميزانية عرف منحى تنازليا متواصلا. إذ انتقل من 7.1% عام 2020 إلى 5.5% عام 2021. ثم 5.4% عام 2022 ف4.3% عام 2023. ليستقر عند 3.8% عام 2024، مع توقع بلوغه 3% في أفق 2028.

كما تشير ذات المعطيات إلى تحسن مؤشرات المديونية العمومية. حيث من المتوقع أن يظل مستوى مديونية الخزينة شبه مستقر اتصالا بالناتج الداخلي الخام في حدود حوالي 67% نهاية عام 2025. حيث من المرتقب أن ينخفض هذا المؤشر إلى أقل من 65% من الناتج الداخلي الخام ابتداء من عام 2027، حسب آخر التوقعات المحينة.

وقد سجل معدل المديونية نسبة للناتج الداخلي الخام انخفاضا ملحوظا. حيث انتقل من 72.2% عام 2020 إلى 69.4% عام 2021 ف71.4% عام 2022. ليصل إلى 67.7% عام 2024.

مداخيل متزايدة وإصلاح جبائي فعال

يرجع هذا التحسن المالي، بحسب تقرير الوزارة، لارتفاع المداخيل الجبائية والعادية بنحو 143 مليار درهم ما بين عامي 2021 و2024، بمعدل نمو سنوي بلغ 13%. كما يرجع هذا الأداء أساسا إلى انتعاش النشاط الاقتصادي بعد “جائحة كوفيد-19” والإصلاحات الجبائية التي وسعت الوعاء الضريبي وحاربت الغش والتهرب. حيث حققت المداخيل الجبائية ارتفاعا بمقدار 101 مليا درهم، أي بنسبة 51% خلال ذات الفترة. كما ساهم تطبيق القانون الإطار المتعلق بإصلاح النظام الجبائي في تحسين مردودية التحصيل وتعزيز العدالة الجبائية.

تطبيق استراتيجية مالية مندمجة

تقوم الاستراتيجية الحكومية المنتهجة على ثلاثة محاور رئيسية متكاملة. ضمنها ضمان التحكم التدريجي والمستدام في عجز الميزانية، ضبط وتيرة تطور المديونية العمومية وتعزيز متانة واستدامة المالية العمومية. المتصلة بتعبئة الموارد الجبائية عبر توسيع الوعاء ومكافحة التهرب. ترشيد النفقات العمومية وتحسين نجاعة الاستثمار العمومي. توجيه الهوامش المالية لتمويل المشاريع ذات الأولوية مثل التعليم، الصحة والحماية الاجتماعية.

الخلفية القانونية والإصلاحات الهيكلية

تستند السياسة المالية الجديدة إلى “الإطار التنظيمي رقم 130.13” لقانون المالية، الذي وضع إطارا صارما لتدبير الميزانية. حيث ربط النفقات بالأهداف المحددة وفق مبدأ النجاعة والمساءلة. مدعومة بمقتضيات “القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية”، الذي يمثل أحد أهم أوراش الدولة الاجتماعية الجديدة.

تحديات كبرى وآفاق واعدة

رغم هذا التحسن، يواجه المغرب تحديات كبرة متصلة بتقلبات الأسواق العالمية وارتفاع كلفة المواد الأولية. غير أن تعزيز الشفافية الجبائية  وتوسيع مجال الاستثمار العمومي المنتج وتنويع مصادر التمويل، تظل ركائز أساسية لتحقيق الاستقرار المالي. فالتحسن الميزانياتي يجب أن يترجم إلى نتائج ملموسة على مستوى العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل.

نحو نموذج تنموي متوازن

تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن قائم على الانضباط المالي والتحفيز الاقتصادي. وذلك في إطار تنزيل النموذج التنموي الجديد، بما يضمن العدالة المجالية وتحفيز الاستثمار الخاص بما يحقق فرص شغل. إضافة لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني إقليميا ودوليا. فالمالية السليمة هي شرط التنمية المستدامة، كما جاء في تقرير البنك الدولي لعام 2024 حول أداء الاقتصاد المغربي.

ويعتبر هذا التحسن خطوة في مسار طويل نحو تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي مستدام. فبين ضبط النفقات وتعبئة الموارد، يواصل المغرب بناء تجربة مالية قائمة على الانضباط، الشفافية والاستثمار في الإنسان.

وفي هذا السياق، شدد المسؤول الحكومي على أن التحكم في عجز الميزانية ليس غاية في حد ذاته. بل رافعة لتحقيق التوازن الماكرو اقتصادي الضامن للاستمرارية في تمويل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي أطلقتها الحكومة بتوجيهات ملكية. ضمنها تعميم الحماية الاجتماعية وإصلاح منظومتي الصحة والتعليم مع تحفيز الاستثمار الخاص لخلق المزيد من فرص الشغل.

جهود تم تتويجها باستعادة المغرب لمكانته في الأسواق الدولية وتعزيز مصداقية ماليته العمومية. فبعد خفض التصنيف الائتماني للمملكة عام 2020 نتيجة لتبعات الأزمة الصحية العالمية. قامت وكالات التصنيف الائتماني الكبرى مثل “فيتش” و”ستاندرد آند بورز” و”موديز” بتحسين تدريجي لتوقعاتها بشأن أداء الاقتصاد المغربي. مشيدة بالتقدم الذي حققه المغرب في مجالات الحكامة والانضباط الميزانياتي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.