في خطوة دبلوماسية لافتة. جددت الإدارة الأميركية تأكيدها الرسمي لموقفها الثابت من قضية الصحراء المغربية. معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب عام 2007 تشكل الإطار الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع الإقليمي المفتعل.
يأتي هذا الموقف المتجدد ليعزز المكاسب الدبلوماسية للمملكة المغربية. ويضع بالتالي القضية الوطنية الأولى ضمن أولويات الاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا.
وضوح أمريكي استراتيجي ودعم عملي
عبرت التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، بعد سلسلة لقاءات دبلوماسية رفيعة. عن رؤية واضحة ومحددة ل”واشنطن” بخصوص الصحراء المغربية.
حيث أكدت هاته التصريحات أن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق دون حل واقعي. معتبرة أن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تمثل الحل العملي الوحيد الممكن في إطار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
تجدر الإشارة إلى أن قرار مجلس الأمن رقم 2654 لعام 2022 يشدد على ضرورة التوصل لحل سياسي واقعي وعملي ودائم لقضية الصحراء المغربية في إطار روح التوافق.
ويؤكد القرار، الذي تم اعتماده في 27 أكتوبر من عام 2022. على ضرورة الامتثال الكامل لاتفاقيات وقف إطلاق النار. حاثا جميع الأطراف على ضرورة التعاون الكامل مع “بعثة المينورسو”. مؤكدا الحاجة لاستئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف التوصل لحل سياسي عادل ودائم.
الخلفية القانونية والدبلوماسية لمبادرة الحكم الذاتي
تستند مبادرة الحكم الذاتي المغربية إلى الفصل الأول من دستور المملكة لعام 2011 الذي يؤكد على أن المغرب دولة موحدة لا تقبل التجزئة، تقوم على الجهوية المتقدمة.
حيث ورد فيه أن: “التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة”.
وقد أودع المغرب مبادرته رسميا لدى الأمم المتحدة، في 11 أبريل من عام 2007. بموجب “الإحالة القانونية رقم A/2007/206”. التي تم اعتبارها آنذاك تحولا نوعيا في مقاربة النزاع المفتعل.
تجدر الإشارة أيضا أن دعم الولايات المتحدة لمبادرة الحكم الذاتي ليس موقفا آنيا. بل التزام استراتيجي يعكس إدراك “واشنطن” بأن استقرار شمال إفريقيا يبدأ من الصحراء المغربية. فالقضية اليوم لم تعد مسألة نزاع إقليمي بل قضية استقرار وتنمية. ومن هنا أهمية حل النزاع من الناحية الاستراتيجية.
وقد اعتبر العديد من المحللين أن هذا الدعم الامريكي الواضح يشكل صفعة للأطروحات الجزائرية ويعرل بالتالي الموقف الجزائري أكثر من أي وقت مضى. أخدا بعين الاعتبار تراجع المساندة الدولية ل”جبهة البوليساريو” الانفصالية داخل المنظومة الأممية. وتزايد الاعترافات بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.
أبعاد الموقف الأمريكي الاقتصادية
تحدثت تقارير اقتصادية أميركية، ضمنها تقرير صادر عن “مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية”، (CSIS). عن مؤشرات ذات صلة بمشاريع استثمار أمريكية مرتقبة بالأقاليم الجنوبية. خاصة في مجالات الطاقات المتجددة والموانئ.
وتشير هذه الخطط إلى أن “واشنطن” تنظر إلى الصحراء المغربية كمحور لوجستي وتجاري واعد في إفريقيا، ضمن مقاربة “السلام عبر التنمية”.
وفي هذا الصدد، أظهرت تقارير دولية أن المغرب لا يزال وجهة استثمارية جاذبة، خاصة في قطاعات مثل السيارات والطيران والنسيج والصناعات الغذائية والتحويلية والتكنولوجيا النظيفة. وذلك اتصالا بموقعه الجغرافي والبنية التحتية المتقدمة التي يتوفر عليها. ضمنها “ميناء طنجة المتوسط”.
الأبعاد القانونية والدبلوماسية للقرار الأمريكي
يرى خبراء في القانون الدولي أن الموقف الأمريكي ينسجم مع القرارات الأممية، ضمنها القرارين 2602 و2654. التي تشجع على التفاوض السياسي في إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية.
وتبعا لذلك، فإن أي مسعى جزائري لإحياء طرح “الاستفتاء” أصبح خارج سياق القانون الدولي. بعدما صنف مجلس الأمن الحل في خانة “التسوية الواقعية والمتفاوض عليها”.
وقد جاء في القرار أن مجلس الأمن الدولي يؤكد الحاجة لتحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء المغربية على أساس التوافق.
قوة الموقف المغربي
تؤكد المؤشرات الدبلوماسية أن “المغرب” بات اليوم في موقع تفاوضي مريح. وذلك بفضل تزايد الدعم لمواقفه من شركاء استراتيجيين ك”الولايات المتحدة”، “فرنسا”، “إسبانيا” و”ألمانيا”. حيث يبدو أن “الرباط” تتجه لتحويل هذا الزخم السياسي لمكاسب اقتصادية وتنموية في الأقاليم الجنوبية. في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية (2015-2030)، الذي أطلقه جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله وأيده.
وهي السياسة التي أكد عليها جلالة الملك، أعزه الله. في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء ل6 نونبر 2022، حيث قال: “المغرب لا يتفاوض على صحرائه، لأن الصحراء كانت وستبقى مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”. وهي القناعة التي جسدتها مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
خطة أدت لإحداث اختراق للمواقف الجزائرية منذ تقديمها عام 2007. والي أثمرت فتح 28 دولة تمثيليات دبلوماسية لها بالأقاليم الجنوبية. كما نالت المبادرة دعم 90% من قرارات مجلس الأمن منذ عام 2015.
جدير بالذكر أن النموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية خصص مبلغ 50 مليار درهم من الاستثمارات بهدف تنمية هاته الأقاليم وجعلها تتبوأ مكانتها الطبيعية ضمن سلسلة المشاريع التنموية التي تعرفها مختلف مناطق المملكة المغربية.
ويمكن اعتبار الموقف الأامريكي تحولا استراتيجيا يعيد رسم خريطة التوازنات في المنطقة المغاربية. فيما تؤكد المؤشرات الميدانية على أن الرياح الدبلوماسية تهب بوضوح في اتجاه المبادرة المغربية. ما يضع المملكة أمام فرصة تاريخية لإغلاق أحد أطول النزاعات في القارة الإفريقية. استنادا للشرعية الدولية وواقعية الحل المغربي.