في خطوة دبلوماسية جديدة تعكس الريادة المغربية في مجال الدبلوماسية الوقائية وحل النزاعات بالطرق السلمية. وقع “المغرب” رسميا على الاتفاقية المؤسسة “للمنظمة الدولية للوساطة”. وذلك خلال حفل رسمي احتضنته وزارة الخارجية الصينية بالعاصمة “بكين”.
وقد مثل المملكة المغربية خلال مراسيم حفل التوقيع سفير المغرب لدى “جمهورية الصين الشعبية”، “عبد القادر الأنصاري”.
يأتي هذا التوقيع بعد شهر من إعلان وزير الشؤون الخارجية والتعاون، “ناصر بوريطة”. خلال زيارته ل”بكين”، في 19 شتنبر الماضي، عن رغبة المملكة في أن تكون من الأعضاء المؤسسين لهذه المنظمة الدولية الحديثة.
دبلوماسية الوساطة: التزام مغربي متجذر
أكد السفير “الأنصاري”، في كلمته ألقاها بالمناسبة، أن هذا الانضمام “يترجم تشبث المملكة بمبادئ الحوار والوساطة والحلول السلمية للنزاعات”. مضيفا أن “المغرب يضطلع بدور فاعل وبناء داخل المنظمات متعددة الأطراف. إيمانا منه بضرورة إعلاء منطق العقل والتعاون بدل الصراع والمواجهة”.
وأوضح “الأنصاري” أن الوساطة والتحكيم جزء أصيل من التراث الحضاري المغربي. مستشهدا بمبادرات المملكة داخل الأمم المتحدة منذ عقدين لتكريس الوساطة كآلية حضارية لتسوية النزاعات الدولية. في انسجام مع “الفصل 31 من الدستور المغربي” الذي ينص على “التعاون الدولي من أجل السلم والأمن في العالم”.
الإطار القانوني والمؤسساتي للمنظمة
تعتبر “المنظمة الدولية للوساطة”، (International Mediation Organization – IMO). التي تم إحداثها في ماي 2025، ومقرها ب”هونغ كونغ”. أول منظمة قانونية دولية متخصصة حصريا في تسوية النزاعات الدولية عبر الوساطة. سواء بين الدول، أو بين الدول والمستثمرين الأجانب، أو في القضايا التجارية العابرة للحدود.
ووفق النظام الأساسي للمنظمة، فإنها تستند إلى مبادئ السرية، المرونة والاتفاق المتبادل بين الأطراف، لتقديم بديل فعال عن التحكيم أو التقاضي الدولي التقليدي.
وقد انضمت 37 دولة إلى هاته المنظمة، حتى الآن. ضمنها “الصين”، “المغرب”، “البرازيل”، “جنوب إفريقيا” و”إندونيسيا”. في خطوة تمثل تكتلا متناميا لدول الجنوب العالمي في دعم الوساطة كخيار واقعي ومستدام لتسوية النزاعات.
المغرب ودوره الفاعل في الجنوب العالمي
يرى مراقبون أن انضمام المغرب إلى هاته المنظمة يعزز موقعه كـفاعل إقليمي محوري في الدبلوماسية الهادئة. مسجلة نجاحه في عدة وساطات سابقة بين أطراف إفريقية وعربية. من أبرزها وساطته في “الملف الليبي” واحتضانه لجولات الحوار ب”مدينة بوزنيقة”.
تأتي هاته الخطوة في انسجام مع رؤية جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. التي تؤكد على أن “المغرب لا يقدم دروسا، بل يسهم بإيجابية في نشر ثقافة السلام. ويدعم كل مبادرة بناءة للحوار والتفاهم بين الشعوب”. كما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد لعام 2022.
ويبرز هذا الانخراط الجديد توجه الدبلوماسية المغربية نحو التعددية الفعالة. القائمة على بناء الجسور بدل الاصطفاف وتعزيز التعاون بين دول الجنوب وفق مقاربة تشاركية قائمة على المصالح المتبادلة.
تجدر الإشارة إلى أن دستور المملكة المغربية يؤكد التزام المغرب بالعمل على دعم الأمن والسلم الدوليين. كما يجيز للمملكة إبرام الاتفاقيات الدولية والمصادقة عليها، بعد موافقة البرلمان. كما أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على الوساطة كوسيلة مشروعة لتسوية النزاعات الدولية سلميا.
فانضمام “المغرب” لهاته المنظمة يعكس استراتيجية دولة تؤمن بأن السلام المستدام لا يمكن تحقيقه إلا بالحوار. كما أنه بهاته الخطوة يكرس صورته كبلد مصدر للاستقرار ومشارك في الحلول بدلا أن يكون جزءا من الأزمات.
دلالات استراتيجية
يمثل انضمام “المغرب” إلى “المنظمة الدولية للوساطة” تتويجا لمسار دبلوماسي طويل في بناء صورة المملكة كقوة اقتراحية في القضايا الإقليمية والدولية. كما أنه يأتي في سياق تنامي الحاجة إلى وساطات مستقلة ومحايدة في ظل تصاعد النزاعات الجيوسياسية. وهو ما يجعل من “المغرب” صوتا متزنا ووسيطا موثوقا في الجنوب العالمي.