في خرق صارخ للقانون والأخلاق العامة، كشفت تحقيقات ميدانية خاصة لجريدة “العدالة اليوم” عن ممارسات خطيرة داخل عدد من مقاهي “الشيشة” بوسط “مدينة الدار البيضاء”. حيث يتم تقديم رؤوس ممزوجة بمواد مخدرة أو أدوية مخصصة للمرضى العقليين. مقابل مبالغ مالية محددة مسبقا، في ظاهرة تنذر بكارثة صحية واجتماعية تهدد الأمن العمومي.
معطيات صادمة من الميدان
وفق التحقيق السري المنجز من قبل الجريدة، فإن عددا من المقاهي المنتشرة خصوصا في “شارع 11 يناير” و”ساحة الأمم” و”شارع رحال المسكيني” قرب “زوربا ZORBA”. تقدم لزبائنها “معسل الشيشة” الممزوج بمواد محظورة مثل “الكودايين” و”الريفوتريل”. وهي مواد ذات تأثير مخدر قوي تندرج ضمن لائحة السموم الخاضعة للمراقبة الطبية الصارمة.
ووفق شهادة مصادر ميدانية من داخل إحدى المقاهي، فإن بعض المسيرين “يستعملون قطرات مهدئة أو أدوية للأمراض العصبية ممزوجة بالمعسل لخلق تأثير سريع يجذب الزبناء الشباب الباحثين عن نشوة مؤقتة”.
تجريم وتبعات صارمة
يجرم القانون المغربي بشكل واضح هاته الافعال. حيث تنص “المادة 135 من القانون رقم 17.04 المتعلق بمدونة الدواء والصيدلة”على: أن “مزاولة مهنة الصيدلة بشكل غير قانوني من قبل شخص غير مؤهل هي جريمة يعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم. أو بإحدى هاتين العقوبتين. في حالة العود، (تكرار الجريمة). يمكن أن يصل الحبس إلى ستة أشهر على الأقل وتتضاعف الغرامة”.
كما يتضمن “الظهير الشريف رقم 1.73.282، الصادر في 21 ماي 1974″، المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين. عقوبات مشددة تشمل الحبس والغرامات على المخالفين. محددا إجراءات قانونية لمكافحة تهريب وتجارة المخدرات. فضلا عن منحه صلاحيات للسلطات القضائية لتنفيذ العقوبات والمصادرات. إضافة “للقانون رقم 113.14 المنظم للجماعات الترابية”، الذي يخول للسلطات المحلية صلاحية إغلاق المحلات التي تمارس أنشطة مخالفة للنظام العام أو تهدد الصحة العامة.
خطر اجتماعي وصحي محدق
بحسب “جمعيات مكافحة الإدمان والوقاية من المخدرات”، فإن هاته الممارسات تتسبب في إدمان سريع وخطير نتيجة التفاعل الكيميائي بين مواد “المعسل” والمخدرات المضافة. فيما تحذر التقارير الطبية من أن هذه الخلطات قد تؤدي إلى نزيف دماغي مفاجئ بسبب ارتفاع الضغط الدموي. أو تلف في الجهاز التنفسي نتيجة استنشاق الدخان الممزوج بالمواد السامة. أو اضطرابات في القلب وفقدان الوعي تصل أحيانا إلى الغيبوبة أو الوفاة المفاجئة. ف“الشيشة”، ها هنا، ليست مجرد تسلية، بل طريق قصير نحو الإدمان والموت البطيء.
مسؤولية جماعية وغياب المراقبة
على الرغم من وجود قوانين صارمة. إلا أن المراقبة الميدانية تبقى محدودة، خصوصا في الفضاءات الليلية حيث تنشط هذه المقاهي بعيدا عن أعين السلطات.
جمعية “أمان لمكافحة الإدمان” دقت ناقوس الخطر، مؤكدة أن تزايد هاته الممارسات في قلب العاصمة الاقتصادية يفرض تعبئة جماعية، تشمل السلطات المحلية والأمنية ووزارة الصحة ووسائل الإعلام. لحماية الشباب من هذا الانزلاق. لأن محاربة الإدمان تبدأ من الشارع، لا من قاعات المؤتمرات.
تجارة سوداء وطلب متزايد
تنامي استهلاك “الشيشة” في الوسط الحضري يعكس تحولا ثقافيا وسلوكيا لدى فئة الشباب، خاصة مع غياب البدائل الثقافية والترفيهية المنظمة. فوفق تقرير صادر عن “المندوبية السامية للتخطيط”، عام 2024. فإن أكثر من 23% من الشباب المغربي بين 18 و30 سنة جربوا تدخين “الشيشة” مرة واحدة على الأقل. وهو ما يجعلها البوابة الأولى نحو تعاطي المواد المخدرة.
دعوة للتحرك العاجل
تطالب فعاليات مدنية بضرورة تشديد المراقبة الأمنية على مقاهي “الشيشة”. مع تفعيل المساطر القانونية لإغلاق المخالف منها وتسريع حملات التفتيش الصحية. إلى جانب إطلاق برامج توعية وطنية تستهدف الشباب والآباء على السواء. لأن العقوبة لوحدها لا تبني مجتمعاً سليما.