الدار البيضاء على صفيح ساخن: تصدعات أغلبية المجلس واستقالة نائب العمدة تعمق الأزمة

العدالة اليومأحمد أموزك

أحمد أموزك

 

تعيش “جماعة الدار البيضاء” حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي والإداري، بعد أن تحولت الجلسة الثانية من دورة أكتوبر 2025 لساحة مواجهة بين مكونات الأغلبية المسيرة. في مشهد يعكس تصاعد التوتر داخل أكبر جماعة ترابية في المملكة.

فقد علمت جريدة “العدالة اليوم” من مصادرها أن النائب العاشر للعمدة، “شفيق بنكيران”، المكلف بقطاع التعمير. طلب رسميا سحب التفويض الممنوح له. في خطوة تم وصفها داخل أروقة المجلس بأنها “مفاجئة” و“كاشفة لعمق الأزمة الداخلية”.

استقالة بنكيران: بركان الأغلبية ينفجر

يعتبر “شفيق بنكيران” أحد الوجوه البارزة داخل “حزب التجمع الوطني للأحرار”. وفاعلا أساسيا في المشهد التدبيري المحلي. وهو ما يمنح لقراره دلالات سياسية عميقة تتجاوز كونه مجرد إجراء إداري.

ووفق مصادر الجريدة، فإن استقالة “بنكيران” جاءت احتجاجا على إعفاء رئيس قسم التعمير من مهامه وتعيين مسؤولة بديلة، دون التشاور معه أو مع المكتب المسير. في خطوة اعتبرها “انفرادية من العمدة نبيلة الرميلي” وتمس بروح العمل الجماعي المنصوص عليها في “القانون التنظيمي رقم 113.14” المتعلق بالجماعات.

وأضافت ذات المصادر أن “بنكيران” عبر، في مراسلة داخلية. عن رفضه لأي مساس بمبدأ التفويض الإداري. مؤكدا أن القرارات أحادية الجانب “تهدد التماسك السياسي والإداري داخل المجلس”.

قطاع التعمير في قلب العاصفة

يعتبر قطاع التعمير من أكثر القطاعات حساسية داخل “جماعة الدار البيضاء”، نظرا لارتباطه بمصالح استثمارية ضخمة وملفات تقنية دقيقة.

وقد كشفت معطيات حصلت عليها جريدة “العدالة اليوم” أن قرار إعفاء رئيس مصلحة التعمير خلق ارتباكا واسعا في صفوف الموظفين. الأمر الذي عددا منهم للتفكير في مغادرة المصلحة احتجاجا على ما وصفوه بـ“القرارات الارتجالية”، في ظل غياب رؤية واضحة لإعادة الهيكلة.

وتحذر مصادر نقابية من أن استمرار الوضع الراهن يهدد أحد أهم الأقسام الجماعية بشلل إداري محتمل. خصوصا وأن التعمير يشكل العمود الفقري للتنمية المحلية ولقطاعات حيوية كالإسكان والبنيات التحتية.

تجدر الإشارة إلى القانون المنظم للجماعات الترابية يلزم رؤساء الجماعات بالتشاور مع نوابهم في القضايا المفوضة إليهم. وكل تجاوز يعد خرقا للقانون.

تداعيات سياسية مفتوحة

لا يمكن النظر إلى استقالة “بنكيران” كحدث عادي. بل كمؤشر على اهتزاز التوازن داخل الأغلبية المسيرة.

جدير بالذكر أن التحالف المسير ل”جماعة الدار البيضاء” يتكون من كل من “حزب التجمع الوطني للأحرار” و”حزب الأصالة والمعاصرة” و”حزب الاستقلال”.

ووفق مراقبين، فإن هذا التطور “قد يسرع من تفكك التحالف الثلاثي” الذي يقود العاصمة الاقتصادية، خصوصا في ظل التباين المتزايد حول تدبير القطاعات الاستراتيجية. لأن غياب المقاربة التشاركية داخل المجالس المنتخبة، يحول التفويض من أداة تسيير إلى أداة صراع.

كما يرى خبراء في الحكامة الترابية أن الأزمة الراهنة تعكس هشاشة نموذج التدبير المحلي، الذي ما زال رهينا بصراعات حزبية تعيق تحقيق النجاعة والشفافية في التسيير.

موقف السلطات المحلية

تتابع السلطات الترابية ب”عمالة مقاطعات أنفا” التطورات الجارية، وسط دعوات متزايدة لتدخل عامل العمالة، “عبد الخالق مرزوقي” لإعادة التوازن للمجلس. وبالتالي تفعيل مقتضيات المراقبة الإدارية المنصوص عليها في الفصل 145 من الدستور. الذي يمنح لممثل السلطة المركزية صلاحيات “تأمين احترام القانون من قبل الجماعات الترابية” و”ممارسة الرقابة الإدارية”.

مساعٍ للتهدئة وسط قلق من الانفجار

علمت جريدة “العدالة اليوم” من مصادرها الخاصة، أن قيادات من “حزب التجمع الوطني للأحرار” دخلت على خط الوضع القائم محاولة إقناع “بنكيران” بالعدول عن استقالته. خشية من تحول الخلاف الإداري إلى أزمة سياسية مفتوحة تربك ما تبقى من عمر المجلس الجماعي.

وعلى الرغم من هاته المساعي فإن الأجواء داخل المجلس تنذر بـ“مزيد من التصدع” في حال استمرار ما تم وصفه بـ“الانفراد بالقرار وضعف التواصل الداخلي”. علما أن السلطة التي لا تقبل المحاسبة تنتج الفساد، والمجالس التي لا تتبنى مقاربة تشاركية تنتج الأزمات. فالديمقراطية المحلية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل ثقافة تشاركية يجب أن تترجم إلى قرارات مسؤولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.