لم يعد سؤال جدوى الحصول على شهادة عليا في المغرب مجرد ترف فكري، بل أصبح هاجسا مشروعا في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه آلاف الخريجين. فبينما كانت الشهادات الجامعية العليا قبل سنوات تعتبر جواز عبور مضمون نحو سوق الشغل. أصبح حاملوها اليوم من أكثر الفئات تضررا من معضلة البطالة.
تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن معدل البطالة في المغرب بلغ حوالي 13.3% خلال الربع الأول من عام 2025. مع تسجيل نسبة بطالة مرتفعة تصل إلى 20.3% بين حاملي الشهادات العليا، خلال الفصل الأول من عام 2024.
أرقام تبرز مفارقة مؤلمة مفادها أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي ارتفع معه خطر الوقوع في براثين البطالة.
وتزداد الصورة قثامة لدى فئة الشباب. إذ تسجل نسبة البطالة بين الفئة العمرية 15 إلى 24 عاما حوالي 35.9%. كما تواجه النساء بدورهن نسب بطالة أعلى نسبيا. خصوصا بين الشابات وحاملات الشهادات العليا. الأمر الذي يعكس تحديات مزدوجة تتعلق بالنوع الاجتماعي وسوق العمل على حد سواء.
أمام هذا الواقع، يفرض السؤال نفسه بإلحاح: هل المشكلة في نوعية الشهادات واختيارات الطلبة؟. أم في غياب التوجيه المهني السليم الذي يربط التكوين بحاجيات السوق؟. أم أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق السياسات العمومية التي فشلت في مواكبة التحولات الاقتصادية والحد من الفجوة بين التعليم والتشغيل؟.
لقد أصبح اختيار التخصص الأكاديمي اليوم قرارا مصيريا يتطلب دراسة دقيقة لمؤهلات الفرد المادية والمعنوية، وأيضا لآفاق التشغيل الواقعية. فالسنة التي تمر دون إدماج في سوق الشغل تتحول إلى عبئ مضاعف في السنة التالية. مع تسجيل تزايد أعداد الخريجين وتغير متطلبات سوق الشغل.
إن تحميل الخريجين مسؤولية بطالتهم تبسيط مخل لمعضلة مركبة. فالمشكل لا يكمن فقط في الطالب أو في نوعية الشهادة. بل في منظومة متكاملة تشمل التخطيط التربوي والسياسات الاقتصادية والخيارات التنموية. الحل إذن لا يمكن أن يكون فرديا، بل يتطلب رؤية وطنية شمولية تعيد التوازن بين التعليم وسوق الشغل، وتفتح بالتالي آفاقا جديدة للكفاءات الوطنية التي لا زالت تنتظر فرصتها لإثبات الذات.