خروقات مالية وقانونية تهز أركان جمعية “أمل لحسون للتنمية” بسكورة فأين السلطات؟

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

تفجرت في جماعة “سكورة” ب”إقليم ورزازات” قضية مثيرة تتعلق بما وصفته مصادر جمعوية بـ”الخروقات الجسيمة” التي عرفتها “جمعية أمل لحسون للتنمية”. بعد أن ظلت منذ عام 2014 خارج السياق القانوني مع عدم عقد جمعها العام أو تقديم أية حسابات إدارية ولا مالية لمنخرطيها، وفق ما هو منصوص عليه قانونا.

فعل يعتبر خرقا واضحا لأحكام “الظهير الشريف رقم 1.58.376″، المنظم لحق تأسيس الجمعيات. لا سيما مقتضيات الفصل 9 منه، الذي يفرض على الجمعيات عقد جموعها العامة بصفة دورية مع تقديم تقاريرها المالية والأدبية بشفافية.

الجمعية الحضور على الورق والغياب القانوني

وفقا لشكاية توصلت بها جريدة “العدالة اليوم” من فاعلين جمعويين فإن الجمعية استفادت من تمويلات عمومية مهمة في إطار اتفاقيات شراكة مع مؤسسات الدولة. ضمنها عمالة الإقليم، المجلس الإقليمي ل”ورزازات” والجماعة الترابية “سكورة”. إضافة لمساهمات كل من “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”. خاصة في مشاريع ذات صلة بـتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، تسيير جرار فلاحي، بئرين سقويين وخدمة النقل المدرسي.

وأوضح ذات المصدر أنه وعلى الرغم من تعدد المداخيل. فإن الجمعية لم تقدم أي حساب بنكي مفصل أو كشوفات مالية موثقة لأكثر من 13 عاما. وهو ما يتعارض مع “المادة 32 من القانون رقم 00.18″، المتعلق بالجمعيات ذات المنفعة العامة. التي تلزم المكتب المسير بمسك محاسبة دقيقة، وإعداد تقارير مالية سنوية قابلة للمراجعة.

أرقام تثير الريبة

حسب المعطيات التي توصلت بها جريدة “العدالة اليوم”، فقد تم، خلال الجمع العام المنعقد في 3 نونبر 2023. تقديم تقارير مالية “غير مدعمة بوصولات أو فواتير”. تضمنت مبلغ مداخيل يفوق مليون درهم دون وجود تبريرات محاسباتية دقيقة.

وأفاد نفس المصدر أن التحريات المتصلة بالحساب البنكي للجمعية، كشفت أنه لم يعرف سوى عملية وحيدة بين عامي 2016 و2023. تمثلت في إيداع 30 ألف درهم فقط، أسبوعا قبيل انعقاد الجمع العام. فيما تم تسجيل سحب مالي مشبوه عام 2015 دون محضر جمع عام قانوني. 

وضع دفع أحد الفاعلين إلى القول: “إن ما يقع بالجمعية يعتبر إهانة لمفهوم الحكامة الجيدة. وتلاعبا بحقوق المنخرطين والمستفيدين. خصوصا وأن المبالغ التي يتم تسييرها مصدرها المال العام”. فيما تساءل أحد منخرطي الجمعية: “كيف يمكن لجمعية تتوفر على جرار، بئرين ومداخيل الماء الصالح للشرب، ألا تتجاوز أرباحها 40 ألف درهم خلال 10 سنوات؟”.

متتبعون للشأن المحلي اعتبروا أن هاته المعطيات الخطيرة تستوجب تدخل السلطات المعنية، انسجاما مع “المادة 36 من القانون التنظيمي رقم 113.14″، المتعلق بالجماعات الترابية. التي تخول ل”والي الجهة” وممثلي “وزارة الداخلية” مراقبة تسيير الجمعيات الشريكة في تدبير الشأن المحلي.

معطيات رقمية مثيرة

في تتبع للمعطيات المالية المقدمة يمكن الوقوف على عدم واقعية الارقام المعروضة. فوفق التقرير فإن مداخيل الجرار لم تتعد 40.000 درهم خلال 10 سنوات. والحال أنه ومع تحمل المكتب الحالي مهامه ضخ الجرار خلال سنة واحدة عام 2024 مبلغ 50.000 درهم. ومن هاته المفارقة نتلمس أوجه التلاعبات الممارسة في مداخيل الجرار، الامر الذي يبرز وفق ذات المصادر إجراء معاملات من خارج السياق القانوني المتعارف عليه وبدون وصولات.

وفيما يتعلق بمداخيل الماء الصالح للشرب فقد تم تسجيل 80.000 درهم. على الرغم من استفادة أكثر من 200 شخص من هاته المادة الحيوية. والملاحظة الاساسية التي يمكن تسجيلها ان مجمل الاشغال والعلميات المنجزة تمت من خارج السياق البنكي وبلا دليل محاسباتي وبدون فواتير. فيما تم تسجيل فائض مالي عام 2010 بلغ  180.000 درهم، لم يتم ذكرها في التقرير الأخير المقدم، وفق إفادة ذات المصدر.

تجدر الاشارة الى انه ومع المكتب الحالي، وخلال عام 2024 فقط، تم تسجيل نسبة أرباح وصلت ل172.000 درهم. ضمنها 100.000 درهم عبارة عن هبات و72.000 درهم عبارة عن مداخيل مائية مع الجرار.

يطرح الملف تساؤلات حول ضعف آليات المراقبة المالية للجمعيات المحلية، وغياب الشفافية في تدبير مواردها، رغم تعدد آليات الرقابة القانونية والإدارية. كما يعكس واقعا مقلقا لتدبير الجمعيات التنموية التي تستفيد من أموال عمومية دون محاسبة دقيقة. وهو ما يهدد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه “الفصل 154 من دستور المملكة المغربية”.

فالوقائع المعروضة والتي تم توصيفها ب”الفضيحة” التي تهز أركان “جمعية أمل لحسون للتنمية”، ليست سوى نموذج من حالات عديدة تستوجب تفعيل المراقبة القضائية والإدارية لحماية المال العام. مع ضمان الشفافية في تدبير العمل الجمعوي.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستتحرك السلطات الإقليمية والهيئات الرقابية لتطبيق القانون، أم سيتم طوي الصفحة كما طُويت سابقاتها؟. ليبقى الفساد سيد القوم الذي يعلو ولا يعلى عليه لتلازمه مع أضلع تمكنه من أسباب الحياة.

فما يقع بجماعة “سكورة” من روائح عفنه وعدم تجديد مكتب الجمعية لمدة طويلة جدا ضدا على القانون المنظم، والتي امتدت لأكثر من 13 عاما. وفي ظل غياب الشفافية مالية، لا في باب المداخيل ولا النفقات. يعكس بجلاء صورة الوضع التدبيري المخالف للأصول القانونية والتي تستوجب فتح تحقيق شفاف. وتحمل الجهات ذات الصلة مسؤولياتها من باب الواجب الوطني تطبيقا للدستور وللقانون ولتوجيهات جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. الحاثة على تعزيز قيم النزاهة والشفافية وإعمال القانون بثرا للفساد وأركانه وتشعباته.

فخرق مقتضيات القانون المنظم للعمل الجمعوي، المؤكد عليها في “الظهير الشريف رقم 1.58.376” الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958. ولا سيما في “الفصل 9” منه الذي يفرض التجديد الدوري للمكاتب وتقديم التقارير السنوية للسلطات المختصة.

تجدر الإشارة إلى أن هاته الاختلالات كانت مسار شكاية رسمية راجت أمام القضاء في موضوع “خيانة الامانة” و”الاستحواذ على أموال الجمعية واستعمالها في أغراض شخصية”.

وقد تضمنت الشكاية أن الجمعية لم تعقد جمعها العام منذ 16 أبريل 2010  وإلى غاية 3 نونبر 2023. كما لم تقم بتقديم أي حسابات مالية، رغم استفادتها من دعم “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” و”عمالة الإقليم”. إضافة “للمجلس الإقليمي بورزازات” و”جماعة سكورة”. فضلا عن مداخيل أخرى مستوفاة، ضمنها تلك المتصلة بالماء الصالح للشرب، بئرين سقويين، كراء الخيمة والنقل المدرسي.

أرقام صادمة مقدمة تقتضي فتح تحقيق

وفق وثائق رسمية توصلت بها جريدة “العدالة اليوم”، فقد تم تسجيل مبالغ مالية ضخمة غير مصرح بها أو غير موثقة خلال الفترة الممتدة من عام 2010 وإلى غاية عام 2023. مع تسجيل غياب أية سندات محاسباتية تتبث صدقية الارقام المقدمة، فواتير أو وصولات لتبرير أوجه الصرف.

وفي سياق متصل، فقد تم تسجيل اقتصار الإيداع البنكي على عملية إيداع واحدة منذ عام 2016، بمبلغ 30 ألف درهم فقط. تم إيداعها قبل أسبوع من الجمع العام. وهو أمر يقود للشك والريبة ويقتضي بالتالي التحري والمساءلة.

محاضر مشوبة بالتزوير

في سياق استمرارية الخروقات، أفادت مصادر من الجمعية أن لائحة تشكيل المكتب المسير لعام 2010، تم تغييرها بعد مرور 14 يوما فقط من انتخاب أعضاء المكتب المسير. في مخالفة للقانون ودون عقد جمع عام استثنائي لإنجاز الخطوة. وهو ما يعتبر مخالفة صريحة للمادة 5 من ظهير تأسيس الجمعيات.

وأوضح ذات المصدر أن الجمع العام الأخير للجمعية المنعقد عام 2023، عرف حضور أشخاص لا صفة قانونية تخول لهم حق الحضور. وهو ما يمنح الحق في الطعن في “شرعية القرارات الصادرة عنه”، يقول ذات المصدر. مضيفا بأن المكتب السابق رفض تقديم الكشوفات البنكية والوثائق المحاسباتية للمنخرطين لتبرير حالة المداخيل والنفقات.

وقائع تكشف خللا بنيويا في نظام مراقبة العمل الجمعوي. حيث أن مئات الجمعيات المتواجدة بالعالم القروي تتعامل مع الأموال العمومية دون محاسبة أو مراقبة دورية مفترضة من قبل الجهات ذات الصلة. كما تفجر هاته القضية سؤالا جوهريا ذا صلة بفعالية “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” ودور القيمين عليها في تتبع المشاريع المنجزة باسمها. وضمان أن التمويلات العمومية تصل فعلا إلى المستفيدين المستهدفين.

وقائع تفرض الحاجة الماسة لنموذج من المجتمع المدني المغربي قائم على آليات رقابية صارمة. مع إجراء مراجعة جذرية لطرق تدبير التمويلات العمومية داخل الجمعيات. ويبقى الرهان اليوم على تدخل الجهات ذات الصلة لفتح تحقيق شامل لتعزيز قيم الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة كأحد الأركان الدستورية التي ما فتئ العاهل الكريم، حفظه الله. يدعو لاعتمادها أركان بناء وأعمدة تدبير داخل كافة المؤسسات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.