زلزال يهز المجالس المنتخبة بالمغرب: مئات المتابعات وقرارات العزل تعري هشاشة التسيير

العدالة اليوم

العدالة اليوم

 

في مشهد غير مسبوق يعكس حجم الاختلالات في التدبير المحلي. كشف تقرير رسمي صادر عن وزارة الداخلية المغربية عن أرقام مقلقة ذات صلة بارتفاع المتابعات القضائية والعزل في صفوف المنتخبين المحليين. وهو ما يضع منظومة الحكامة الترابية أمام تساؤلات كبرى حول النجاعة، والمساءلة، والمسؤولية السياسية والقانونية.

302 متابعة قضائية… مؤشر على أزمة الحكامة المحلية

أفاد التقرير بأن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية بلغ 302 حالة. ضمنها:

52 متابعة طالت رؤساء جماعات ترابية و57 من نواب الرؤساء. فضلا عن 124 من الأعضاء و69 من الرساء السابقين للجماعات.

وأوضح ذات المصدرن ان هاته المعطيات تبرز حجم الانحرافات التدبيرية والاختلالات القانونية التي ترافق ممارسة المهام الانتدابية داخل الجماعات.

وأضاف: أن أغلب المتابعات تتعلق بسوء التسيير المالي والإداري، خرق القوانين التنظيمية واستغلال النفوذ. وهي مخالفات تخضع لمتابعة دقيقة من طرف وزارة الداخلية نظرا لتأثيرها على الوضعية القانونية للمنتخبين. وبالتالي على ثقة المواطنين في المؤسسات المحلية.

216 طلب عزل و8 مجالس منحلة

كشف التقرير أن 216 طلبا لعزل منتخبين تمت إحالتها على المحاكم الإدارية المختصة. التي أصدرت بدورها أحكاما نهائية بالعزل بعد التثبت من المخالفات القانونية.

كما أدت هذه الإجراءات إلى حل ثمانية مجالس جماعية بشكل نهائي. وذلك بسبب اختلالات جسيمة مست بالسير العادي للمجالس وعملت على تعطيل مصالح المواطنين.

يستند هذا الإجراء إلى “الفصل 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14“، الذي ينص على إمكانية عزل الأعضاء الذين “يخلّون بالمقتضيات القانونية أو الأخلاقية لمهامهم”. حيث يحدد إجراءات عزل عضو مجلس جماعي بسبب وجود مصالح خاصة تربطه بالجماعة. وبالتالي يمكن لأعضاء المجلس مطالبة العامل بتفعيل هاته المسطرة. كما يمكن لهم الطعن في قرار الرفض أمام المحكمة. 

تنازع المصالح وجه آخر للاختلالات

أفاد التقرير بتنامي حالات تنازع المصالح داخل الجماعات الترابية، لا سيما في ملفات تتعلق بمنح الدعم المالي للجمعيات المحلية واستغلال المحلات الجماعية لأغراض شخصية. فضلا عن العمل أو التعاقد مع شركات لها علاقات تجارية مع الجماعة.

وكانت “وزارة الداخلية” قد دعت، في مراسلات موجهة إلى الولاة والعمال. إلى تفعيل المقتضيات الزجرية المنصوص عليها في “القانون رقم 31.13″ المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات. الذي يكرس مبدأ الشفافية والمساءلة في تدبير المال العام. كما يمكن هذا القانون المواطنين من الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، المؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام الخدمة العامة. سواء تم نشرها استباقيا أو عبر تقديم طلب رسمي. كما يتضمن القانون إجراءات تقديم الطلبات، محددا آليات تقديم الشكاوى في حالة الرفض أو عدم الاستجابة.

الطعون القضائية والرقابة الإدارية

سجل التقرير ايضا أن “وزارة الداخلية” توصلت بـ 18 طعنا قضائيا تقدم بها منتخبون في مواجهة قرارات بالعزل أو لطلب العدول عن الاستقالة. غير أن المحاكم الإدارية رفضتها جميعها بعد دراسة مدى قانونيتها.

كما تم إصدار 28 قرارا وزاريا بإقالة أعضاء من مجالس العمالات والأقاليم، لأسباب تتعلق بالعزل أو الاستقالة أو الوفاة أو الإقامة الدائمة خارج الوطن. وذلك وفقا لمقتضيات الفصل 145 من الدستور المغربي الذي يمنح لممثلي السلطة المركزية صلاحيات مراقبة قانونية أعمال الجماعات.

291 شكاية وتحقيقات ميدانية

تلقت مصالح وزارة الداخلية 291 شكاية من منتخبين ومواطنين وجمعيات مدنية، تتعلق بخروقات في التعمير، المالية والإدارة. وقد تم إحالة عدد منها على أنظار “المفتشية العامة للإدارة الترابية” أوالولاة أوالعمال بغاية إجراء الأبحاث اللازمة في شأنها واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.

وتشير هذه الشكايات إلى استمرار مظاهر الفساد الإداري والزبونية والمحسوبية داخل بعض الجماعات. على الرغم من الإصلاحات التشريعية التي عرفها النظام اللامركزي منذ صدور دستور 2011.

الإطار القانوني والتنظيمي

ترتكز عملية المراقبة والمساءلة على ترسانة قانونية متعددة، تشمل: القانون التنظيمي رقم 113.14،  المتعلق بالجماعات. القانون التنظيمي رقم 111.14، المتعلق بالجهات. القانون التنظيمي رقم 112.14، المتعلق بمجالس العمالات والأقاليم. إضافة للقانون رقم 31.13 حول الحق في الحصول على المعلومات والفصل 145 من الدستور المغربي.

وهي نصوص تضع أسسا لممارسة ديمقراطية محلية مسؤولة، قائمة على الشفافية، المحاسبة وربط المسؤولية بالمحاسبة. لأن الحكامة الجيدة نظام متكامل يضمن نزاهة القرار المحلي.

أرقام تمثل إنذارا واضحا بضرورة إصلاح المنظومة الانتخابية وربط الدعم المالي المحلي بمستويات الحكامة والمساءلة. كما تبرز هاته المعطيات أن المغرب أمام تحد مزدوج: إصلاح العمق القانوني لممارسة المسؤولية المحلية وتعزيز ثقافة النزاهة والمحاسبة في العمل الجماعي.

تجدر الإشارة إلى أن تزايد المتابعات والعزل لا يعد مؤشرا على الانحراف فقط. بل دليلا على اشتغال منظومة الرقابة القانونية التي تحاول تصحيح مسار التسيير المحلي. وذلك في أفق ترسيخ اللامركزية الحقيقية المنصوص عليها في الفصل الأول من دستور المملكة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.