برز جدل دستوري واسع بين خبراء المالية العمومية والقانون الدستوري بالمغرب، عقب عرض مشروع قانون المالية لعام 2026. حيث تم طرح تساؤلات حول مدى احترام الحكومة للمساطر الدستورية المنصوص عليها في الفصل 49 من دستور 2011. الذي ينظم تداول المجلس الوزاري للتوجهات العامة لمشروع قانون المالية. والذي يلزم بعرض التوجهات العامة لمشروع قانون المالية أمام المجلس الوزاري قبل إعداد الصيغة النهائية للمشروع.
وفي هذا الشأن يرى فريق من الخبراء أن الحكومة وقعت في خلط إداري بين مسطرة دستور 1996 وما يفرضه دستور 2011 والقانون التنظيمي الجديد للمالية.
تجدر الإشارة إلى أن “الفصل 49 من الدستور المغربي” ينص على أن المجلس الوزاري يتداول في القضايا الكبرى، من ضمنها التوجهات العامة لمشروع قانون المالية. كما أن القانون التنظيمي رقم 130.13 لقانون المالية يحدد بوضوح المراحل الإجرائية لإعداد هذا المشروع، بدءا من الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة، وصولا إلى المصادقة البرلمانية.
ويرى عدد من الخبراء أن الحكومة لم تحترم هذه التراتبية في مشروع 2026. وهو ما يثير شبهة وجود خرق للمسطرة الدستورية.
المنتقدون يرون أن الحكومة تخرق التراتبية الدستورية
يرى منتقدوا الخطوة أن الحكومة خرقت خطوة دستورية. مرجعين الأمر لعدم اطلاعها بدقة على التعديلات الجوهرية المتعلقة بمساطر إعداد مشاريع القوانين المالية. واستمرارها في تطبيق ممارسات ما قبل دستور 2011. مبرزين أن المسار الحالي لا ينسجم مع الإطار القانوني الجديد الذي يجعل التداول في المجلس الوزاري مقدمةً إلزاميةً قبل إصدار الرسالة التأطيرية لرئيس الحكومة.
وأوضح المنتقدون أيضا أن تجاوز هاته الخطوة يجعل المشروع عرضة للطعن في المشروعية الإجرائية. مبرزين أن الممارسات القديمة أصبحت متعارضة مع المقتضيات الدستورية الحديثة التي عززت الطابع التشاركي في صناعة القرار المالي.
المؤيدون يؤكدون على المرونة في التأويل الدستوري
في المقابل، يرى المؤيدون أن التوجهات العامة لمشروع قانون المالية يمكن أن تستمد من الخطب الملكية، خصوصا خطاب عيد العرش والخطاب الافتتاحي للبرلمان. اللذين يحددان الإطار العام للسياسات المالية.معتبرين أن هذا التأويل يمنح مرونة في التطبيق دون الإخلال بروح الدستور. مرتكزين على أن الخطب الملكية تمثل في حد ذاتها توجيهات عليا تغني عن التداول الرسمي متى وجدت إحالة سياسية واضحة على أولويات الدولة.
الحكومة تعتبر أن احترام التوجيهات الملكية ضمان لدستورية الخطوة
في هذا السياق، اعتبر “فوزي لقجع”، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية. خلال عرضه لمشروع القانون أمام لجنة المالية. أن الرسالة التوجيهية لرئيس الحكومة استندت فعلا إلى التوجيهات الملكية الواردة في خطاب عيد العرش، التي شكلت مرجعية إعداد المشروع. مضيفا أن ذلك يجعل المسطرة الدستورية محترمة مضمونا وإن لم تكن مطابقة شكلا. مشددا على أن الأولويات الواردة في المشروع تتطابق مع التوجيهات الملكية، ما يضمن احترام الدستور وإجراءات إعداد القانون. ويجعل بالتالي مشروع قانون المالية لعام 2026 قانونيا ودستوريا وفق المعايير المعمول بها، حسب إفادته.
وأكد “لقجع” أن مشروع قانون المالية لعام 2026 يعكس التوجهات الملكية الكبرى. مبرزا انه يترجم أولويات الدولة في مجالات الاستثمار، العدالة الاجتماعية والتحول الرقمي. مضيفا أن الحكومة تشتغل في إطار الانسجام المؤسساتي، لا في نطاق التجاوز الإجرائي، وفق قوله.
سياق اقتصادي وتحليل مالي
يأتي هذا النقاش اتصالا بسياق اقتصادي يتسم بالاستقرار. حيث أفادت “المديرية العامة للضرائب” إلى انخفاض معدل التضخم بنحو 2.8%. مع تسجيل استقرار أسعار المواد الأساسية. وهو ما يمنح الحكومة هامشا أوسع لإطلاق مشاريع استثمارية.
ويرى خبراء اقتصاديون أن مشروع الحكومة يربط بين الإصلاح الجبائي وتوسيع الوعاء الضريبي والرقمنة الشاملة للمعاملات المالية. انسجاما مع مقتضيات “القانون الإطار للإصلاح الضريبي رقم 69.19”.
جدير بالذكر أن هذا القانون الذي تم نشره في الجريدة الرسمية في يوليو 2021. يهدف لتحديث وتطوير النظام الضريبي لتحقيق العدالة والمساواة وتبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار. فضلا عن إدماج القطاع غير المهيكل وضمان الاستقرار المالي للدولة. حيث يتضمن تدابير متعددة. ضمنها مراجعة الضريبة على الدخل وتطوير آلية الرقابة وتعزيز الرقمنة في الإدارة الضريبية.
الأبعاد الديمقراطية للنقاش
يجمع المراقبون على أن الجدل الدستوري القائم يعكس حيوية النقاش الديمقراطي حول حدود السلطة التنفيذية. كما أنه يشكل نضجا في الوعي القانوني والسياسي داخل المشهد الوطني. مستشهدين بقول “مونتسكيو”: “القانون حين يثير الجدل، يكون قد بدأ يحقق العدالة”. معتبرين أن النقاش حول المشروعية الإجرائية يعزز مبدأ الشفافية والمساءلة الدستورية.
يظل هذا النقاش الدستوري تجسيدا لحيوية الحياة الديمقراطية وتمايز القراءات القانونية. فيما تترقب الأوساط السياسية والاقتصادية حصيلة المناقشات البرلمانية التي ستحدد مصير هذا المشروع الذي يؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.