تعرف أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب، موجة من الارتفاعات الجديدة والمستمرة، خاصة ب”مدينة الدار البيضاء”. حيث تجاوزت 85 إلى 90 درهما للكيلوغرام الواحد.
تأتي هاته الزيادة على الرغم من المخططات الحكومية المنتهجة. وهو ما أثار استياء واسعا لدى المستهلكين الذين يواجهون أثمنة مرتفعة منذ عدة أشهر دون أن تلوح أية بوادر لانفراج قريب.
بين الندرة وتكلفة الأعلاف وفشل السياسات
يعزو خبراء القطاع أسباب هذا الارتفاع إلى ما أسموه “تقلص القطيع الوطني” جراء سنوات الجفاف المتتالية. فضلا عن تراجع الإنتاج المحلي من الأعلاف. إضافة للارتفاع الحاد في أسعار الشعير والذرة المستوردة.
ووفق معطيات وزارة الفلاحة، فقد سجل القطيع الوطني تراجعا بنسبة تفوق 13%، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. الأمر الذي أثر مباشرة على التوازن بين العرض والطلب في الأسواق الحضرية الكبرى، ضمنها “الدار البيضاء”، “مراكش” و”طنجة”.
وعلى الرغم من الدعم المقدم لإنعاش القطاع وإلغاء شعيرة عيد الأضحى الأخيرة إلا أن الوضع لا يزال قائما. وهو ما يعكس فشل السياسات المنتهجة والتي لم تعمل على حل الأزمة بل زادت من مفاقمتها.
ووفقا لتقديرات “المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية”، (ONSSA). فإن المغرب يستهلك سنويا ما بين 580 و600 ألف طن من اللحوم الحمراء. فيما لا يتجاوز الإنتاج المحلي 470 ألف طن. وهو ما يدفع للجوء إلى الاستيراد لتغطية العجز.
استيراد 30 ألف رأس من البرازيل لتعويض النقص
في محاولة لتطويق الأزمة القائمة. أعلنت “وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات” عن قرب استيراد نحو 30 ألف رأس من الأبقار من “البرازيل”، خلال شهر نونبر الجاري. وذلك بعد تعليق استيراد الأبقار “الإسبانية” إثر ظهور بؤر لمرض “التهاب الجلد العقدي” في بعض المناطق ب”إسبانيا”.
ووفق مختصين فإن استيراد الابقار من “البرازيل” سيسهم في تحقيق توازن في السوق، خلال الأسابيع المقبلة. لكن الوضع سيبقى قائما ما لم يتم القيام بإصلاح هيكلي لسلسلة الإنتاج الوطنية.
تسهيل الاستيراد ومراقبة الجودة
تستند عمليات الاستيراد إلى مقتضيات المرسوم المتعلق بمراقبة الواردات من المنتجات الحيوانية. المؤكد على وجوب إخضاع جميع الحيوانات الحية المستوردة لفحص بيطري وقائي عند دخول التراب الوطني.
كما يفرض “القانون رقم 28.07″، المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية على المستوردين للمنتجات الغذائية الحصول على ترخيص صحي مسبق من “المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية”، (ONSSA). والذي يشمل جميع الوحدات التي تقوم بإنتاج ومعالجة وتلفيف وتخزين وعنونة المواد الغذائية بغرض طرحها في السوق. مع ضمان مطابقة اللحوم المستوردة للمعايير المغربية والدولية.
ويؤكد “الفصل 31 من الدستور المغربي” على حق المواطنين في الولوج إلى المواد الغذائية الأساسية ذات الجودة والسعر المناسب. مفيدا بأن على الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية أن تعمل على تيسير استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة. من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والحق في التعليم، وتيسير أسباب استفادتهم منه. ويتطلب ذلك تعبئة كل الوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف. وهو ما يجعل الحكومة ملزمة بتفعيل آليات التدخل لحماية القدرة الشرائية وضمان التوازن في السوق.
الفاعلون بين مقص تقنين السوق ومطرقة الكلفة
يرى فاعلون اقتصاديون أن استمرار ارتفاع الأسعار رغم فتح باب الاستيراد راجع لاحتكار قنوات التوزيع من طرف فئات محدودة. إلى جانب ارتفاع التكاليف.
إن المطلوب إجراء إصلاح حقيقي وفعلي من خلال تقديم دعم مباشر للكسابة الصغار وتعميم التأمين الفلاحي على الماشية. وفق ما أورده مهنيو القطاع.
الانعكاسات الاجتماعية: ضغط متزايد على القدرة الشرائية
تعيش الأسر المغربية منذ أشهر على وقع غلاء متواصل طال مجموعة من المواد الأساسية. ضمنها اللحوم الحمراء. وهو ما أثر على سلة الاستهلاك اليومية للمواطنين.
وسبق “للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” أن نبه، في تقرير أصدره. إلى ضرورة إرساء آليات مراقبة شفافة لتحديد الأسعار وضمان تنافسية السوق. مشددا على ضرورة إعادة بناء الثقة بين المستهلك والدولة من خلال محاربة المضاربات والاحتكار.
فالوضع القائم لا يكمن في قلة العرض فقط. بل في غياب مراقبة حقيقية لآليات التسعير. فالمطلوب تدخل الدولة لضبط السوق كما تتدخل لضبط العملة والسياسة النقدية.
نحو سوق متوازنة وسياسة غذائية جديدة
بين غلاء الأسعار ورهانات الاستيراد، يقف المستهلك المغربي في مواجهة تحد يومي يمس الأمن الغذائي والقدرة الشرائية.
ويرى مراقبون أن الأزمة الحالية تفرض تبني سياسة وطنية للحوم الحمراء تقوم على تشجيع الإنتاج المحلي، وضبط مسالك التوزيع، وتحديث سلاسل التوريد. انسجاما مع أهداف الاستراتيجية الوطنية “الجيل الأخضر 2030” التي تضع الاكتفاء الذاتي الغذائي ضمن أولوياتها.