الرباط: تنظيم ندوة علمية حول مستجدات قانون المسطرة الجنائية بالمغرب

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

في سياق الحركية التشريعية التي يشهدها المشهد القانوني المغربي. تحتضن قاعة الجلسات الكبرى بقصر العدالة بالرباط، يوم غد الجمعة، ندوة علمية كبرى تحت عنوان: “قراءة في مستجدات قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23”.

الندوة من تنظيم محكمة الاستئناف بالرباط بشراكة مع هيئة المحامين بالعاصمة، ابتداء من الساعة الثانية والنصف بعد الزوال. في إطار الأنشطة الثقافية والعلمية التي دأبت المؤسستان على تنظيمها دعما للنقاش القانوني الجاد وتحديثا للممارسة القضائية بالمغرب.

إشراف علمي وقضائي رفيع المستوى

يتم تنظيم هاته الندوة بإشراف مباشر من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط، “الأستاذ المصطفى لغزال”، والسيد الوكيل العام للملك لديها، “الأستاذ عبد العزيز راجي”. المعروفين بدعمهما المتواصل لكل المبادرات العلمية والتكوينية الهادفة للرفع من جودة العدالة وتعزيز كفاءة الفاعلين القانونيين.

ينطلق المنظمون لهاته الندوة العلمية من قناعة راسخة بأن القانون ليس نصا جامدا، بل منظومة متحركة متجددة تحتاج للقراءة المستمرة على ضوء المتغيرات المجتمعية.

إصلاح جوهري في منظومة العدالة

يأتي “قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23″، الصادر في “الجريدة الرسمية عدد 7437″، بتاريخ 8 شتنبر 2025، والذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025. كاحد الركائز الأساسية في إصلاح منظومة العدالة الجنائية بالمغرب.

ويهدف هذا النص التشريعي إلى تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وفق المعايير الدستورية والدولية وتقوية حقوق الدفاع وتوسيع صلاحيات المحامي في مراحل البحث والتحقيق. إضافة لترشيد اللجوء للاعتقال الاحتياطي. مع اعتماد بدائل قضائية أكثر إنسانية بما يمكن الضحايا من حقوق موسعة في التبليغ والمطالبة بالحقوق المدنية. فضلا عن تحقيق انسجام تشريعي مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان.

أهداف تستمد مشروعيتها من “الفصل 23 من الدستور المغربي” الذي يكرس مبدأ “المحاكمة العادلة وضمان الحرية الفردية”. حيث ينص على حماية الدولة للحياة الخاصة وحرمة المسكن وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية.

كما يضمن للمواطنين الحرية في اختيار مقر إقامتهم والتنقل داخل البلاد وحق مغادرتها. ويتضمن هذا الفصل أيضا التأكيد على أن الاعتقال التعسفي أو السري والاختفاء القسري يعتبر من أخطر الجرائم التي تعرض مرتكبيها لأقسى العقوبات. مبرزا انه لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون.

مداخلات علمية بمقاربات متعددة

يتضمن برنامج هاته الندوة إلقاء تسع مداخلات علمية ثرية، يشرف على تسييرها رئيس الغرفة الجنائية بمحكمة النقض. ويشارك فيها قضاة يمثلون المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة. إضافة لمسؤولين قضائيين بارزين يمثلون النيابة العامة وقضاة التحقيق وقضاة الحكم وهيئة الدفاع وكتابة الضبط. حيث سيناقشون مستجدات قانون المسطرة الجنائية كل واحد من زاوية ممارسته المهنية.

ومن المنتظر أن تتطرق هاته المداخلات القيمة لمواضيع ذات صلة بمختلف مراحل العدالة الجنائية. بدءا من  مرحلة البحث التمهيدي وما يستلزم هاته المحطة من ضمانات المشتبه فيه وحقوق الضحية. مرورا بمرحلة التحقيق الإعدادي، وما تستوجبه من ترشيد السلطة التقديرية لقاضي التحقيق. وصولا لمرحلة المحاكمة، وما تقتضيه من تطوير آليات التبليغ والدفاع. فضلا عن مرحلة التنفيذ، وما تفرضه من تعزيز مراقبة شرعية العقوبة ومواكبة إعادة الإدماج. ضمانا لعدالة جنائية أكثر توازنا بين حماية المجتمع وصون الحقوق الفردية.

خلفية الإصلاح التشريعي

تأتي هذه المستجدات في إطار تنزيل التوجيهات الملكية السامية الداعية لجعل القضاء في خدمة المواطن. مع ضمان سيادة القانون وترسيخ الثقة في العدالة.

جدير بالذكر ان “القانون 03.23” يعتبر امتدادا لمسار طويل من الإصلاحات التي انطلقت منذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة عام 2013،والتي توجت بعدة نصوص مكملة. ضمنها “القانون رقم 38.15″، المتعلق بالتنظيم القضائي. الصادر في 30 يونيو 2022. المهيكل للنظام القضائي المغربي بتضمينه قضاء القرب، المحاكم التجارية، المحاكم الإدارية، محاكم الاستئناف التجارية ومحاكم الاستئناف الإدارية ضمن هيكل واحد موحد. فضلا عن اشتماله على قرار بتأسيس “محكمة النقض” كأعلى هيئة قضائية في البلاد، إضافة لمحاكم الدرجة الأولى والثانيةَ.

وفي السياق ذاته يمكن الحديث عن “القانون رقم 33.17″، القاضي بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة. مع تنظيم هذه الرئاسة إداريا وماليا وتأكيده على ضمان استقلال القضاء. ومنحه صلاحيات تعيين وترقية القضاة، والرقابة على تأديبهم، وإبداء الرأي في شأن منظومة العدالة.

تبادل الخبرات وتوحيد الرؤية القضائية

تعد هاته الندوة العلمية مناسبة لتبادل الرؤى حول كيفية تفعيل النص الجديد على أرض الواقع. مع مناقشة التحديات العملية المرتبطة بتطبيق ضمانات الدفاع ومراقبة مشروعية التوقيف والاعتقال. مع توحيد الممارسات بين مختلف مكونات العدالة. انطلاقا من الإيمان بأن ضمان فعالية “قانون المسطرة الجنائية” في حماية الحقوق، يقتضي انسجاما مؤسساتيا بين القضاة والنيابة العامة وهيئات الدفاع.

خطوة نحو عدالة أكثر إنصافا

تؤكد هاته المبادرة العلمية، مرة أخرى، انفتاح القضاء المغربي على النقاش العلمي وإيمانه بضرورة إشراك كافة الفاعلين في تطوير منظومة العدالة. بما يعزز ثقة المواطن في العدالة ويجعل القضاء رافعة أساسية للتنمية الحقوقية والاجتماعية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.