أي أفق تحمله دعوة “عسكر الجزائر” زعيم “حركة الماك” للعودة للبلاد؟

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

كشفت تقارير إعلامية حديثة عن وجود مساع يقودها “الفريق سعيد شنقريحة”، القائد الأعلى للجيش الجزائري. بغاية إقناع “فرحات مهني”، رئيس “حركة تقرير المصير بمنطقة القبائل”، (MAK). بالعودة للجزائر والمشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وهو تحول مثير في الملف القبائلي، حيث تأتي هاته المبادرة في محاولة لاحتواء أي إعلان محتمل لاستقلال “القبائل” من جانب واحد.

فوفق ما نقله موقع “ساحل أنتليجنس”، عن مصادر أسماها ب”المطلعة”: ف”إن النظام الجزائري بادر لعقد سلسلة من الاتصالات غير المباشرة مع فرحات مهني، زعيم حركة “الماك” في القبائل. المنفي حاليا في فرنسا”.

في تحول مثير في الملف “القبائلي”، يكشف عن محاولة النظام الجزائري احتواء مطالب الاستقلال التي تنادي بها الحركة.

وقد جرى أول تواصل عبر قنوات سرية في العاصمة الفرنسية، “باريس”، حيث يعيش “مهني” في منفى اختياري منذ سنوات. وقد تولى الوساطة أفراد من الجالية الجزائرية. حيث تشمل هاته المبادرة تقديم ضمانات قضائية وشخصية، وتأمينا لظروف حملة انتخابية دون ملاحقات سابقة.

في الجانب الآخر، أظهر مهني تحفظا شديدا، وفق ما أكده مقربون منه. حيث لا يزال يواصل دراسة الخيارات المتاحة من منظور سياسي وحقوقي. فيما يشكك في جدوى المسار المطروح. خصوصا وأنه يأتي من المؤسسة العسكرية وليس عبر ضمانات دستورية واضحة.

وسبق ل”فرحات مهني” أن وضع عدة شروط لأي مفاوضات مع النظام. ضمنها رفع الحظر عن “حركة الماك”، وإطلاق سراح السجناء السياسيين القبائليين، والاعتراف الرسمي بالهوية التعددية الأمازيغية. وقبل كل شيء، وساطة دولية محايدة للإشراف على العملية.

وفي هذا السياق، قال “مهني” خلال اجتماع، عقده مؤخرا، مع ممثلي الجالية القبائلية في “جنيف”: “إن منطقة القبائل لم تتوقف أبدا عن الرغبة في العيش بحرية. لكنها مستعدة لمناقشة ما إذا كانت الجزائر توافق على طي صفحة الإنكار والقمع”.

في سياق متصل أبدى “ربين منه”، تحفظا شديدا اتجاه “عرض العودة” المقدم من قبل المؤسسة العسكرية. معتبرا أن الضمانات تركز على البعد الأمني وليس على اتفاق سياسي واضح ودستوري.

خلفية “حركة ماك” وواقع الصراع 

تأسست “حركة تقرير المصير بمنطقة القبائل، (Mouvement pour l’Autodétermination de la Kabylie)، المعروفة اختصارا بحركة “ماك MAC”. عام 2001، ويقودها منذ ذلك الحين، الفنان الأمازيغي القبايلي، “فرحات مهني”، المنفي في “فرنسا”. حيث يرأس “حكومة القبائل المؤقتة في المنفى”، (GPK).
وكانت السلطات الجزائرية قد حظرت أنشطة الحركة مصنفة إياها ك”منظمة إرهابية” عام 2021. لكن ووفقا لدبلوماسي أوروبي مشارك في المناقشات. فقد “تغير المسار في الجزائر، حيث أصبح النظام الجزائري يبحث عن حل سياسي”.

ويدعو “مهني” لما يسميه “حكم ذاتي موسع”، أو حتى دولة القبائل. وهو مطلب روج له أمام تجمعات دولية، من ضمنها إعلان أطلقه من “نيويورك” عام 2024.

تجدر الإشارة إلى “فرحات مهني”، رئيس “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل بالجزائر”، المعروفة اختصارا بـ”الماك”. كان قد أعلن مساء السبت 2024/04/20. بشكل رسمي عن قيام “دولة القبائل” وذلك أمام تجمع كبير للمنتمين للمنطقة قرب مقر “الأمم المتحدة” في “نيويورك”. وقد اختارت حركة “استقلال منطقة القبائل” هذا التاريخ بعناية كبيرة. خصوصا وأنه يرتبط بحدوث مظاهرات 20 نيسان/أبريل 1980 التي شهدتها منطقة القبائل والجزائر العاصمة. المعروفة باسم “ربيع الأمازيغ”، والتي تم قمعها بشكل دموي من جانب الجيش الجزائري. كما يصادف هذا التاريخ “الربيع الأسود” عام 2001 الذي خرج فيه الآلاف من النشطاء في منطقة القبائل الأمازيغية للتظاهر والمطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية. وهو ما واجهه الجيش والأمن الجزائري بالقمع الذي خلف مئات القتلى والجرحى والمعتقلين. حيث قال “مهني” في كلمة ألقاها بالمناسبة: “إن الوقت قد حان لولادة دولة القبائل، رسميا ونهائيا”.

يأتي هذا التطور في ملف قضية “القبائل” بعدما كانت السلطات الجزائرية تعتبر لفترة طويلة “فرحات مهني”، رئيس حركة “الماك”. شخصا غير مرغوب فيه. وهو مدان من طرف محكمة الجنايات ب”الدار البيضاء” ب”الجزائر العاصمة” غيابيا بالسجن المؤبد، مع أمر بإلقاء القبض عليه. فيما تم تصنيف حركته كمنظمة إرهابية. كما سبق أن قضت محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية، غيابيا بسجن زعيم “حركة الحكم الذاتي بالقبائل”، “فرحات مهني”، وستة أشخاص آخرين” ب20 سنة مع التنفيذ، بتهمة “ارتكاب أعمال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية”.

الحق في تقرير المصير: بين النظرية والتطبيق 

يأتي هذا التطور في سياق النقاش الدولي الأوسع حول “حق تقرير المصير” الذي يعرف بكونه حق الشعوب في تقرير مسارها السياسي واختيار شكل الحكم دون تأثير خارجي.

وقد اكتسب هذا المفهوم قوة قانونية بإدراجه في “ميثاق الأمم المتحدة” عام 1951. ليصبح جزءا من القانون الدولي استندت إليه حركات التحرر في العالم الثالث في نضالها ضد الاستعمار.

غير أن القانون الدولي قيد هذا الحق بعدة قيود حتى لا يؤدي إلى تفتيت الدول. إذ يمكن القول، إن ممارسة هذا الحق محصورة في حالتين: حالة الشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال، وحالة الأقليات التي تتعرض للاضطهاد أو التمييز العنصري الممنهج من قبل الدولة. أي أن هذا الحق يتم تقييده بحسب وضع الشعوب (استعمار، احتلال، أو تمييز ممنهج).

ويرى مراقبون أن الحوار الذي دعا له الجيش الجزائري قد يكون محاولة لتقديم حكم ذاتي ضمن سيادة الدولة الجزائرية. بدل الاعتراف بحق تقرير المصير أو الاستقلال الكامل.

مخاطر استراتيجية لاحتواء “مهني” 

يرى خبراء أن قبول “مهني” بالعودة قد يثير عدة مشاكل. ضمنها فقدانه جزءا من “رونقه التحرري” أمام قواعده في “القبائل”، خاصة إذا تم ربطه بالمؤسسة العسكرية. في المقابل، قد يعجل رفضه خطوات إعلان الانفصال أو يزيد من العزلة مع استمرار القمع. فيما يرى محللون أن الدولة لم تقدم بعد حلولا سياسية جادة للتوتر التاريخي في المنطقة.

المؤكد أن المبادرة تعتبر محاولة من العسكر في الجزائر لإضفاء شرعية على ملف حركة “الماك” من زاوية أمنية أكثر منها سياسية. وهو ما نبه إليه “ربين منه”، معتبرا أن الضمانات المقدمة تركز على البعد الأمني وليس على اتفاق سياسي واضح ودستوري. فيما يواجه النظام الجزائري معضلة استراتيجية ذات صلة بكيفية إدارة مطلب سياسي تاريخي دون خسارة السيطرة على منطقة استراتيجية مثل القبائل.

وتؤكد مجمل الحاليل التي عرضت للوضع في “الجزائر”. أن هاته الأخيرة تواجه معضلة استراتيجية، كيف يمكنها احتواء مطالب سياسية قوية دون خسارة السيطرة على منطقة لطالما كانت محور توتر. وذلك في ظل سياق دولي متقلب وضغوط داخلية متصاعدة.

منطقة استراتيجية وهوية أمازيغية 

تقع “منطقة القبائل” في شمال “الجزائر”، حيث تعتبر واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية وتأثيرا سياسيا وثقافيا. يدافع أبناء هذه المنطقة عن خصوصيتهم اللغوية والثقافية الأمازيغية. إذ يطالب الكثير منهم بتوسيع هامش الحكم الذاتي المحلي. لكن “الماك” تجاوزت هاته المطالب إلى الدعوة الصريحة للانفصال.

وتستند الحركة في مطلبها لواقع ”التهميش المستمر من الدولة الجزائرية”، للمنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا. كما تدعو للحفاظ على الهوية الأمازيغية للمنطقة، معتبرة أن السياسات الرسمية “عروبية مركزية” تقصي التعدد الثقافي الجزائري.

السياق الإقليمي والدولي 

تستفيد “حركة الماك MAK” من اهتمام دولي بارز خلال الآونة الأخيرة. في وقت تواجه الجزائر ضغوطا سياسية معقدة. خاصة في ظل حالة التوتر القائمة مع المغرب. مع قرارها قطع علاقاتها مع “الرباط” خلال شهر غشت من عام 2021. عقب اتهامها المملكة المغربية بما أسمته ”مساندة حركة المطالبة باستقلال منطقة القبائل” التي تعتبرها “منظمة إرهابية”.

وكان الرئيس الجزائري، “عبد المجيد تبون”. قد برر قطع العلاقات مع “المغرب” بأنه كان “بديلا عن نشوب حرب بين الدولتين”. في تلميح لحساسية الملفات العالقة بين البلدين.

وعلى الرغم من محاولة النظام الجزائري تجريم الحركة وتصنيفها كحركة “إرهابية”. متهما إياها ب”الضلوع في حرائق الغابات التي اجتاحت شمال البلاد”. وبـ”تلقي تمويلات أجنبية بهدف زعزعة الأمن القومي”. فضلا عن اهتهامها بالتورط في التخطيط لمحاولات اغتيال وعمل عسكري مسلح.

وهي التهم التي نفاها “فرحات مهني” جميعها. دون أن ينفي تقربه من جهات أجنبية.

التصريحات الدولية والتاريخ الحقوقي يدفعان نحو رؤية أكثر شمولية لحل الملف القبائلي، خاصة إذا ما تم ربط بالمطلب بالقانون الدولي وحقوق الأقليات.

أصداء ووجهات نظر

سبق ل”فرحات مهني” أن قال: إن “النظام الجزائري يريد أن يصورنا كإرهابيين بأي ثمن. بينما العالم يثمن سلميتنا”.

فهل ستشكل مبادرة عسكر الجزائر مدخلا لحوار سياسي تاريخي”؟. علما ان أي حوار بلا ضمانات دستورية قوية تجعل منه مخاطرة كبيرة. لأن المطلب الأقوى من الاستقلال هو تأكيد الوجود والكرامة. وهل تحمل هاته الخطوة مقترح حل فعلي أم توفير ضمان أمني فقط، أم مسعى يهدف من ورائه الجيش الجزائري لاحتواء سياسي للحركة ليس إلا؟.

في ضوء هذه المستجدات، يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح المساعي العسكرية في احتواء “حركة الماك” وإقناع قائدها بالعودة للجزائر؟. أم أن شكوك “مهني” وعدم ثقته في الضمانات المقدمة ستعيق هذه المساعي؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.