حذر “البنك الدولي” في تقرير حديث أصدره تحت عنوان: “العمل والنساء: المواهب غير المستغلة والنمو غير المحقق”. من أن ضعف إدماج النساء في سوق العمل المغربي يشكل أحد أهم العوائق البنيوية أمام تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام.
وأكد التقرير أن النساء المغربيات، رغم التحسن الملحوظ في مجالات التعليم والصحة. يواجهن قيودا اجتماعية وقانونية وثقافية تجعل مشاركتهن الاقتصادية من بين الأدنى عالميا.
ووفقا لبيانات المؤسسة الدولية، فإن مشاركة النساء في سوق الشغل بالمغرب لم تتجاوز 20 إلى 21.6%، خلال السنوات الأخيرة. بعد أن كانت 26.3% عام 2004. وهو ما يجعل المغرب واحدا من البلدان القليلة التي تشهد تراجعا مستمرا بدل تحسين المؤشر.
تقرير يسلط الضوء على واحدة من أكثر القضايا الاقتصادية إلحاحا في المغرب. ناقلا صورة قاثمة عن مشاركة المرأة في سوق العمل المتسمة بالضعف. وهو ما يحرم المملكة من طاقات بشرية هائلة يمكنها دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية بشكل كبير.
فالتقرير كشف عن صورة واقعية مثيرة للقلق. حيث تم تصنيف معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة بالمغرب من بين أقل المعدلات في العالم. بل إنه ينخفض عما كان عليه قبل عقدين من الزمن. ففي عام 2018، كان معدل مشاركة النساء في القوى العاملة بالمغرب 21.6% فقط. وهو ما يعني أن 78.4% من المغربيات بين 15 و65 عاما لا يعملن ولا يبحثن عن عمل.
وسجل التقرير وضعا مقلقا ارتباطا بالاتجاه التصاعدي لتراجع المشاركة النسوية وهو ما يزيد الأمر تعقيدا. حيث أن المغرب من بين عدد محدود من البلدان في المنطقة الذي سجل انخفاضا مطردا في مشاركة النساء. حيث بلغت الذروة 26.3% عام 2004 لتتراجع إلى حوالي 20% عام 2022. وهو ما يعني أن المملكة عرفت انخفاضا في معدل مشاركة النساء في قوة العمل لأطول فترة زمنية مقارنة ببلدان المنطقة.
مفارقة التعليم والبطالة النسائية
نقل التقرير صورة أكثر قثامة اتصالا بالاستثمار الكبير في تعليم المرأة المغربية خلال العقود الماضية. لأن المنطق يقول أن هذا الارتفاع في مستوى تعليم النساء يجب ان يوازيه زيادة مشاركتهن في سوق العمل. إلا أن الواقع المغربي يخالف هذه القاعدة، وفق التقرير.
وفي هذا السياق، فقد سجل التقرير مفارقة واضحة: فمن جهة ارتفاع التحصيل العلمي للنساء، يعني المزيد من المشاركة، على الرغم من تراجع هذه العلاقة مع مرور الوقت. إلا أنه وفي الجهة المقابلة فإن معدل مشاركة النساء الحاصلات على تعليم عال في المغرب انخفض من 70% إلى 60%. وهي ظاهرة تشارك فيها “المغرب” مع دول أخرى في المنطقة مثل “مصر” و”إيران”.
تراجع يطرح سؤالا محوريا: هل المشكلة مرتبطة بالفرص الاقتصادية؟. أم بالأدوار الاجتماعية التقليدية؟. أم بالإطار القانوني؟.
تسجيل هوة بين العالمين الحضري والقروي في المغرب
كشف التقرير عن وجود سوقين مختلفتين للعمل في المغرب. الأولى في المناطق الحضرية، حيث يرتفع معدل التشغيل والمشاركة من الجنسين. وأخرى في المناطق القروية، حيث يرتفع معدل عدم مشاركة النساء ارتفاعا حادا ويقل نسبيا بين الرجال لكنه آخذ في التزايد.
هذه الثنائية تعكسها أيضا الفجوة المستمرة بين الجنسين والتي تصل إلى 50 نقطة مئوية. حيث تتبع ديناميكيات مختلفة في المناطق الحضرية والريفية.
ووفق التقرير فإن مشاركة النساء في المدن مرتفعة مقارنة بالقرى مع توفر مؤسسات وفرص للعمل وأيضا وسائل النقل. فيما هي منخفضة جدا في القرى نتيجة تزايد اعداد الخاملين مع قلة فرص الشغل.
العوامل الاجتماعية والثقافية
تعود أزمة المشاركة النسائية، وفق التقرير، لسيادة نمط من الثقافة التقليدية ترى العمل حقا للرجل دون المرأة. والتي تحصر دور المرأة في المطبخ والإنجاب والتربية.
تجدر الإشارة إلى أن التقرير شمل دراسة سلوكية لعينة أجابت على عبارة “حين تكون فرص العمل محدودة، يجب أن يعطى الرجال اولوية التشغيل”. فكانت الإجابة موافقة 75% من الرجال و47% من النساء.
كما أن الزواج والأعباء الأسرية يقلصان المشاركة بنسبة 20% إلى 30% سواء في المدن أو البوادي.
تسجيل تقدم دون تطبيق
على الرغم من حصول المغرب على نقاط متقدمة في مؤشر “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” مقارنة بدول المنطقة. إلا أن “البنك الدولي” يؤكد أن هذا التقدم القانوني لا يترجم إلى واقع عملي. وذلك بسبب ضعف آليات مكافحة التحرش في العمل وغياب حضانات وبدائل رعاية ميسرة للأطفال. فضلا عن ضعف النقل الآمن للنساء العاملات واستمرار تمييز غير مكتوب في التوظيف والترقي.
تجدر الإشارة إلى أن “الفصل 31 من الدستور المغربي” ينص على أن الدولة تسعى إلى “توفير الشغل والدعم على البحث عن منصب شغل” دون تمييز.
كما تنص “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، (CEDAW)، التي صادق عليها المغرب. على ضمان مساواة الولوج للعمل والأجر والفرص.
حيث تنص هاته الاتفاقية على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، (سيداو). وهي معاهدة دولية رئيسية اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1979. والتي تعتبر “وثيقة الحقوق الدولية للنساء”.
وتلزم هاته الوثيقة الدول الموقعة بالقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع المجالات، وضمان ممارستها لحقوقها على قدم المساواة مع الرجل. ويتطلب ذلك اتخاذ تدابير مثل دمج المساواة في القوانين وإلغاء القوانين التمييزية وإنشاء آليات لحماية المرأة.
العوامل الأسرية والتعليمية
كشف التحليل أن تعليم رب الأسرة له تأثير عكسي على مشاركة المرأة، حيث أنه “كلما حصل رب الأسرة على تعليم أفضل، زاد احتمال أن تظل المرأة خارج قوة العمل”.
كما أن وجود نساء أخريات عاطلات عن العمل داخل الأسرة يزيد من احتمال أن تكون المرأة ضمن الخاملين. وتزيد هذه التأثيرات مع مرور الوقت في الريف والحضر على السواء.
توصيات البنك الدولي
لتحقيق هاته الغايات أوصى صندوق النقد الدولي باتخاذ مجموعة من الإجراءات ضمنها توسيع خدمات رعاية الأطفال من أجل تمكين الأم من العمل. وتطوير نقل عمومي آمن لتقليص المعيقات الجغرافية. ودعم ريادة الأعمال النسائية من خلال خلق ديناميكية تشغيل ذاتي. فضلا عن تعزيز آليات حماية حقوق الشغيلة مع تمكين النساء داخل سوق العمل وتحفيز المقاولات على اعتماد المناصفة بتغيير نمط الثقافة التنظيمية القائمة.
فإزالة العوائق أمام مشاركة النساء في الاقتصاد قد ترفع الناتج الفردي بنسبة بين 20 و30%. لأنه لا يمكن لأي اقتصاد أن ينمو بنصف عقله ونصف طاقته.
خطوات أكد عليها “البك الدولي” في تقريره والتي تحمل رسالة واضحة مفادها انه طالما بقيت النساء خارج سوق الشغل. سيظل الاقتصاد الوطني يسير بنصف قوته. ويبقى السؤال المطروح اليوم ليس: هل تستطيع المرأة المغربية العمل؟. ولكن هل يوفر “المغرب” الظروف القانونية والاجتماعية والمؤسساتية التي تسمح لها بذلك؟.
تجدر الغشارة ايضا أن عمل النساء يتركز في مجالات سمتها الأساس الهشاشة. حيث تشكل الصناعات التحويلية 25% من الوظائف التي تشغلها النساء، تليها التجارة بنسبة 15%، ثم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 10%، والتعليم بنسبة 8%. فيما يظهر معدل البطالة بين النساء في المغرب فجوة كبيرة مقارنة بالرجالٍ، خاصة في المناطق الحضرية، حيث نسبة البطالة أعلى.