السلطة الفلسطينية تطالب بإدخال البيوت المؤقتة لمأوى الفلسطينيين و”إسرائيل” ترفض

العدالة اليوم

محمد حميمداني

 

في خضم كارثة إنسانية توصف بأنها الأكبر في تاريخ قطاع غزة. دعت الرئاسة الفلسطينية، اليوم، لرفع القيود التي تفرضها السلطات “الإسرائيلية” على إدخال البيوت المؤقتة ومستلزمات الإيواء للنازحين. محملة الإدارة الأمريكية “المسؤولية الكاملة” عن استمرار المجازر وانهيار المنظومة الإنسانية بالقطاع.  

يأتي هذا النداء بعد كشف تقارير دولية عن رفض “إسرائيلي” متكرر لإدخال مساكن متنقلة وخيام رغم الحاجة الملحة إليها. وبروز أزمة السكن كأحد أبرز التحديات التي تواجه مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين دمرت منازلهم. وهو ما يدفع بالأوضاع نحو مرحلة خطيرة لن تحقق الأمن أو السلام لأحد.

الدمار الشامل: خلفية الأزمة الإنسانية 

تحولت غزة إلى بؤرة دمار واسع، حيث أفادت المجلة العبرية “972+” أن 90% من المباني في “رفح” وحدها تعرضت للهدم شبه الكامل. في عمليات تم وصفها بأنها ليست ضرورة عسكرية، بل “تدمير ممنهج يرقى إلى جريمة حرب” وفق القانون الدولي الإنساني.

وتشير شهادات ميدانية لجنود “إسرائيليين” تم نشرها في تقارير صحفية بأن “التدمير لم يكن موجها لأهداف عسكرية، بل لإفراغ المناطق ومنع إمكانية الحياة فيها”.

وقد وصل الدمار في قطاع غزة إلى مستويات مروعة، حيث أفادت تحقيقات صحفية عبرية بأن تدمير المباني يهدف إلى جعل القطاع غير صالح للعيش. وهو ما أوجد حاجة ماسة لمئات الآلاف من وحدات السكن. حيث تقبع آلاف العائلات في العراء أو في ملاجئ مؤقتة لا تتوفر فيها أدنى شروط الحياة الكريمة.

هذا الوضع دفع آلاف العائلات إلى التشرد في العراء أو الاعتماد على ملاجئ غير إنسانية، حيث يواجه السكان نقصا حادا في أماكن الإيواء، الصرف الصحي، المياه الصالحة للشرب وايضا الأمن الغذائي.

إسرائيل تمارس حرب التضييق من خلال رفضها إدخال المساكن الجاهزة 

وفق ما نقلته شبكة “سي إن إن CNN” الأمريكية. فقد رفضت “إسرائيل” طلبات من “قطر” ومنظمات أممية لإدخال وحدات سكنية جاهزة لقطاع غزة. على الرغم من وجود اتفاقات إنسانية ملزمة ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار.  

كما أكدت “حركة حماس” أن الاحتلال يمنع دخول الخيام، الوحدات السكنية المتنقلة والمعدات اللازمة لرفع الركام والمساعدة في إعادة الإعمار.

لتجد كل المحاولات الدولية عراقيل من قبل سلطات الاحتلال ومنع ممنهج لإغاثة المشردين وإعادة الحياة للقطاع المذمر عن آخره.

ويرى “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” أن هاته السياسة تشكل “استراتيجية تهدف إلى تفكيك البنية المجتمعية في غزة ودفع السكان إلى الصدمة الجماعية والتهجير”. وبالتالي ““تقويض النظام العام في غزة” وتفكيك هياكل الحوكمة، مما يخلق ظروفا كارثية تدفع الفلسطينيين إلى حافة الهاوية.

في مواجهة هذا الوضع الصعب، تبذل الحكومة الفلسطينية جهودا متعددة للتخفيف من حدة الأزمة. وإن كانت محدودة الإمكانيات مقارنة بحجم الكارثة. 

وفي هذا السياق، وجه رئيس الوزراء الفلسطيني، “محمد مصطفى” دعوة لتوفير مراكز إيواء واحتياجات النازحين. مع التركيز على تحضير الخطط والموارد لإعادة إعمار ما دمره الاحتلال.

كما قامت وزارة الأشغال العامة والإسكان بزيارة 186 موقعا مقترحا لمراكز الإيواء المؤقتة في “غزة”. حيث شرعت في إنشاء أول مركز إيواء في “بيت لاهيا” بمساحة 13 دونما تتضمن 215 خيمة.

وفي هذا الشأن، فقد تم تخصيص ميزانيات للإغاثة. حيث بلغت قيمة التدخلات خلال ثلاثة أشهر فقط في شمال الضفة الغربية أكثر من 28 مليون “شيكل”. كما وقعت وزارة التنمية الاجتماعية اتفاقيات مع جهات مانحة مثل “الصين” بقيمة 20 مليون “يوان”.

غياب المساكن الآمنة ادى لمفاقمة المأساة الإنسانية في “غزة”، حيث يؤدي الازدحام في الملاجئ المؤقتة وغياب مرافق الصرف الصحي إلى انتشار الأوبئة والأمراض. فضلا عن الصدمات النفسية العميقة التي يعيشها الأطفال والتي من الممكن أن تستمر لأجيال.

في ضوء هاته الأوضاع اللا إنسانية ومع استمرار الأزمة، تتصاعد المطالب الدولية لتحريك الوضع مطالبة “مجلس الأمن الدولي” والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف المجازر ورفع القيود عن إدخال المساعدات الإنسانية بما فيها مواد الإيواء.

وفي هذا الشأن، أكدت إحدى اللجان التابعة للأمم المتحدة أن “إسرائيل” تسعى للسيطرة الدائمة على “غزة” وضمان أغلبية يهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويحث “المرصد الأورومتوسطي” المجتمع الدولي على تكثيف الضغط على “إسرائيل” لوقف استهداف النظامين الأمني والعدلي. مؤكدا أن الحل الجذري يكمن في وقف جريمة الإبادة الجماعية بكل أشكالها.
هل يشكل المنع جريمة دولية؟

يرى خبراء في القانون الدولي أن منع المأوى عن المدنيين يشكل انتهاكا واضحا لمواد القانون الدولي الإنساني. خصوصا “المواد 55 و59 من اتفاقية جنيف الرابعة” لعام 1949. ذات الصلة بالإغاثة المدنية.
تجدر الإشارة إلى أن “المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة” تتحدث عن مسؤوليات دولة الاحتلال اتجاه الإمدادات الإنسانية. ملزمة إياها بتسهيل توزيعها. فيما تؤكد “المادة 59” على حق السكان المحميين في تلقي مساعدات الإغاثة الفردية. وتشمل “المادة 55” التزامات مثل السماح بالوصول السريع للإمدادات الإنسانية، وعدم تحويلها عن غرضها إلا في حالات الضرورة القصوى وبموافقة الدولة الحامية. أما “المادة 59” فتنص على حق الأفراد في تلقي طرود الإغاثة الشخصية، شريطة وجود اعتبارات أمنية.

كما تصنف “المادة السابعة من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية” هاته الممارسات في باب جرائم ضد الإنسانية. حيث تعرف “الجرائم ضد الإنسانية” بأنها أي من الأفعال التالية التي يتم ارتكابها في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، مع العلم بالهجوم. وتشمل هذه الأفعال القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان. فضلا عن السجن أو الحرمان الشديد من الحرية البدنية، التعذيب. إضافة للاعتداء الجنسي، الاضطهاد، الاختفاء القسري، جريمة الفصل العنصري، وغيرها من الأفعال اللاإنسانية الأخرى.  

بينما تتناول “المادة الثامنة” اختصاصات المحكمة في جرائم الحرب. وتفصل أنواع هاته الجرائم، سواء تلك المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، بما في ذلك جرائم مثل ارتكاب مذابح، أو تدمير ممتلكات، أو استجواب السكان المدنيين أو تعريضهم للتجارب الطبية. 

كما يلزم “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2720 الصادر عام 2023″ الاحتلال بتسهيل دخول المساعدات الإنسانية. داعيا لزيادة المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق ل”غزة”. وفتح جميع المعابر الحدودية بما فيها “معبر كرم أبو سالم”. فضلا عن تعيينه منسقا للشؤون الإنسانية في “غزة”. وقد تم تبني القرار بموافقة 13 دولة. فيما امتنعت “الولايات المتحدة” و”روسيا” عن التصويت.

وقد سبق للأمم المتحدة أن شددت على أن “عرقلة المساعدات الإنسانية قد تشكل جريمة حرب”.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء الفلسطيني، “محمد مصطفى”: “نحن أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة، وغياب الحل السياسي واستمرار الحصار يعني استمرار المأساة دون أفق”. فيما تؤكد “مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة” أن هذا المسار يمثل “هندسة ديمغرافية قسرية تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع السكاني”.

تصاعد الضغط الدولي لكن دون نتائج ملموسة 

طالب “المرصد الأورومتوسطي” والمجتمع المدني الدولي بتفعيل أدوات المساءلة الجنائية الدولية. فيما أكدت إحدى اللجان الأممية الخاصة أن السياسات “الإسرائيلية” تسعى نحو “سيطرة دائمة” وضمان “أغلبية يهودية” في الأراضي المحتلة، وهو ما يعزز المخاوف من نوايا التهجير القسري.  

فما يقع بالأراضي الفلسطينية عقوبة جماعية لا يمكن للعالم السكوت عنها. لأن الأزمة القائمة تتجاوز الإيواء إلى نزاع أكبر ذا صلة بالحق في البقاء، الحق في العودة والحق في الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.