في سياق يعرف فيه العمل الجمعوي داخل “جماعة الصفاء” ب”إقليم اشتوكة آيت باها”. حالة من الركود وغياب المبادرة لدى عدد من الجمعيات التي تتوفر على ميزانيات مهمة وتدبير مباشر لمرافق حيوية. يبرز نموذج مختلف يعيد النقاش حول فلسفة العمل المدني وأهدافه الأصلية.الذي تقوده “جمعية آيت بلا للتنمية والثقافة والرياضة” و”جمعية جذور المستقبل” ب”دوار الخربة”، اللتان نجحتا، خلال الأيام الأخيرة، من خلق الحدث تنظيمهما حملة واسعة لتنظيف الدوار، بمشاركة كبيرة من شباب المنطقة والساكنة.
الرسالة الأساسية التي التقطها المتابعون ليست فقط حجم المشاركة، بل كون المبادرة تمت بإمكانيات محدودة جدا. إلا أنها تمت بروح عالية من التطوع. وهو ما يعيد، وفق مصادر محلية لجريدة” العدالة اليوم“، الاعتبار لمفهوم “الغيرة الجماعية” قبل كل شيء.
وقد قدمت الجمعيتان فلسفة جديدة أساسها توفر الإرادة على تحقيق الغايات كركيزة لتحويل الحلم إلى واقع. عبر تظافر الجهد الصادق والإيمان بأن الجمال قاعدة في الطبيعة لكنها تبنى أيضا بتوفر إرادة غرسها. من خلال وجود روح التطوع والمسؤولية والغيرة الحقيقية على المصلحة العامة. إذ أن التنمية تبدأ من المبادرات الميدانية الصغيرة قبل الشعارات والبيانات المكتوبة.
هاته المبادرة، وإن كانت بسيطة، تنسجم مع توجهات الدولة وسياسات المغرب البيئية. من بينها “البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية”، (PNDM). كما تتماشى مع توصيات “الاتحاد الأوروبي” و”برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، “UNDP”. التي تؤكد على أن “العمل المدني المحلي هو الأساس الأول للتفاعل المجتمعي ولبنة لترسيخ المواطنة الفاعلة”.
حين تتوفر القيادة تبدأ الحركة
ما ميز حملة “دوار الخربة” هو حجم انخراط الشباب. فبدل الشعور بالتهميش أو الانتظار، وجد هؤلاء الشباب إطارا عمليا يحترم طاقاتهم وذكاءهم ورغبتهم في المشاركة ويرحب بمجهودهم. وهو ما يرسخ قناعة بأن هؤلاء الشباب لا ينتظرون الكثير من المجتمع. حيث يكفي فقط أن تفتح لهم أبواب المشاركة ليصنعوا الفارق. إيمانا من الجميع بأنه لا يمكن أن نبني المستقبل بوعي منتظر، بل بوعي مبادر.
الخطوة رسالة مبطنة للجمعيات التي يقوم فعلها على الانتظار دائما
قدمت الخطوة نموذجا يحرج جمعيات أخرى متواجدة داخل تراب الجماعة، بل وتسير مرافق هامة داخل أروقتها. ضمنها تدبير الماء الصالح للشرب. إذ وعلى الرغم من توفرها على مداخيل مالية مهمة وتستفيد من دعم عمومي سخي. إلا أن فعلها، وفق شهادات مواطنين، يتميز بالعجز أو التقاعس عن أداء أبسط الواجبات المرتبطة بتنظيف المحيط والحفاظ على البيئة والعناية بالمجال المحيط بالبنيات التي تديرها. على الرغم من الترابط المباشر الموجود بين الماء، الصحة العامة والبيئة.
فالخطوة وضعت هاته الجمعيات الكبرى التي تستفيد من الدعم والموارد المالية الضخمة في موقف إحراج حول قدرة جمعيات صغيرة على تنظيم حملات نظافة واسعة وتحريك الساكنة بلا دعم ولا سند مادي. فما الذي يمنع تلك الجمعيات الكبرى ذات الميزانيات السمينة من القيام بواجباتها الأساسية؟.
العمل الجمعوي بين الفعل والوثيقة
أعادت مبادرة “دوار الخربة” طرح سؤال جوهري: هل العمل الجمعوي هو ميزانية وتقارير ومحاضر؟. أم فعل يومي يغير حياة الناس؟. الجواب جاء من الميدان، لا من المكاتب. على حد قول القول المأثور: “لا قيمة للفكرة إن لم تتحول إلى فعل”.
تجدر الإشارة إلى ان إحصيائيات غير رسمية أفادت بأن أكثر من نصف الجمعيات القائمة في المغرب لا تنجز أي نشاط سنوي منتظم. فيما لا تتعدى الجمعيات المصنفة نشيطة ميدانيا ومستدامة في برامجها رؤوس الأصابع.
إن ما قامت به “جمعية آيت بلا للتنمية والثقافة والرياضة” و”جمعية جذور المستقبل” ليس مجرد حملة تنظيف فقط. بل درس في المواطنة ورسالة تحفيز للشباب. فضلا عن حصة إحراج لنموذج جمعوي قائم على التدبير المالي دون أثر مجتمعي وتذكير بأن التنمية تبدأ من المبادرات الصغيرة، لا من الشعارات الكبيرة.