احتضن بهو المحكمة الابتدائية ب”القصر الكبير”، الثلاثاء، ندوة علمية حملت عنوان: “مستجدات قانون المسطرة الجنائية: مكاسب ورهانات”.
يأتي تنظيم هاته الندوة في إطار مواكبة المستجدات التشريعية الأخيرة. المرتبطة بتحديث المنظومة الجنائية، بعد المصادقة على القانون الجديد الذي ينتظر دخوله حيز التنفيذ خلال الأسابيع المقبلة.
وقد عرفت الندوة، المنظمة بشراكة بين المحكمة الابتدائية ب”القصر الكبير” و”هيئة المحامين بطنجة” و”ودادية موظفي العدل” ب”القصر الكبير”. حضور رئيس المحكمة الابتدائية، وكيل الملك لدى نفس المحكمة، ممثلي هيئة المحامين وودادية موظفي العدل. إضافة لشخصيات أخرى ومهتمين بالمجال.
خلال الجلسة الافتتاحية للندوة، أكد المنظمون أن اللقاء يأتي في لحظة قانونية مفصلية. معتبرين أن القانون الجديد يحمل “أهمية وخطورة في الآن نفسه”، لكونه يهدف لترسيخ مبدأ التوازن بين حماية الحقوق الفردية وضمان الأمن القضائي الجماعي، استنادا “للفصلين 23 و117 من الدستور المغربي”، المؤكدين على ضمان المحاكمة العادلة واستقلال القضاء.
تجدر الإشارة إلى أن “الفصل 23 من الدستور المغربي”، المتعلق بحماية الحرية الفردية، يؤكد أنه لا يجوز تقييدها إلا بموجب القانون. فيما ينصص “الفصل 117” منه على أن القضاء هو من يضمن حماية حقوق وحريات الأشخاص وتطبيق القانون. حيث يشكل الفصلان معا ركيزة أساسية للمحاكمة العادلة، حيث يحدان من السلطة التعسفية للدولة، (الفصل 23). ويضعان على عاتق القضاء مسؤولية حماية الحقوق وتطبيق القانون، (الفصل 117).
إصلاح منظومة العدالة بين النصوص وتحديات الأجرأة
هدفت الندوة بشكل أساسي إلى “الوقوف على المستجدات الجوهرية التي جاء بها القانون الجديد، الذي من المرتقب أن يدخل حيز التطبيق خلال الأسابيع القليلة القادمة. ما يستدعي استيعاب هذه المستجدات من قبل جميع الفاعلين في المنظومة القضائية والقانونية”.
وقد قاربت الندوة التعديلات التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية الجديد. مستفيضة في أبعاده القضائية والحقوقية والمؤسساتية. مؤكدة ضرورة تأهيل مختلف الفاعلين القانونيين لاستيعاب بنوده مع ضمان تنزيل سلس وفعال للإصلاحات على أرض الواقع.
وفي هذا السياق، أكد رئيس المحكمة الابتدائية ب”القصر الكبير”، في كلمة ألقاها بالمناسبة. أن اللقاء يدخل في “صلب إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب”. مبرزا أن القانون الجديد يسعى لتطوير المنظومة القضائية وضمان الفعالية والشفافية، تنزيلا للتوجيهات الملكية السامية ذات الصلة بإصلاح منظومة القضاء باعتباره “ركيزة لدولة الحق والقانون”.
كما أوضح أن أهمية هاته الندوة تأتي من القضايا التي تتناولها المتصلة بتعزيز منظومة العدالة لإمدادها بالقوة التي تمكنها من المساهمة بشكل فعال في ورش الإصلاح القضائي الشامل.
التوازن بين الأمن والحقوق أساس الإصلاح
من جهته، شدد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب”القصر الكبير” على أن جوهر الإصلاح يرتكز على مبدأ سيادة القانون. مؤكدا أن هاته الإصلاحات ستمكن من ضمان محاكمة عادلة. مبرزا أن “التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد التوازن بين حماية المجتمع وضمان الحقوق الفردية واحترام مبدأ المحاكمة العادلة”. مضيفا أن أي إصلاح تشريعي دون تكوين وتعبئة مهنية يظل محدود الأثر.
دعوة لنقاش مؤسس
من جانبه أكد ممثل هيئة المحامين ب”طنجة” أهمية موضوع الندوة، لكون القانون الجديد يلامس “حقولا قانونية واسعة تتطلب قراءة دقيقة وتطبيقا متريثا”. مبرزا أن اللقاء يمثل فرصة مواتية لمناقشة معمقة لهاته المستجدات لتعزيز المعارف القانونية لدى جميع الفاعلين وتبادل الخبرات وإثراء النقاش القانوني.
وأكد ممثل “ودادية موظفي العدل” أن اللقاء يشكل نموذجا لسياسة قضائية منفتحة على مختلف المتدخلين بغاية خلق نقاش قانوني فعال وبناء. مبرزا أن إصلاح المساطر مرتبط أيضا بالبعد الاجتماعي والمهني للممارسين، وليس فقط بالنص القانوني.
ووصف المواضيع المطروحة للنقاش بأنها “موضوعية وخطيرة في آن واحد”. وذلك لملامستها لمجموعة من الحقول القانونية المختلفة في اتصالها مع أبعاد اجتماعية وحقول أخرى. وهو ما يمنح الندوة القوة والأهمية القصوى.
مداخلات علمية من اجل عدالة تضمن الحقوق
تخللت الندوة خمس مداخلات علمية تناولت مراحل المسطرة الجنائية من زوايا متعددة. حيث قارب “القاضي خالد المسعودي” مستجدات مرحلة المحاكمة. فيما تناول “الدكتور إسماعيل الجباري الكرفطي” بالدراسة والتحليل الأبعاد السياسية والمؤسسية للقانون.
كما قدم نائب وكيل الملك “سفيان العلاوي” عرضا حول التحديثات المتصلة بمرحلة ما قبل المحاكمة. فيما أوضح “الدكتور محمد العرج” الأدوار الجديدة لكتابة الضبط في تحقيق النجاعة القضائية. بينما استعرض “القاضي عبد الله القرقري” مستجدات قضاء التحقيق في ضوء القانون الجديد.
وهكذا فقد وفرت هاته الندوة منصة هامة لتعميق الفهم العملي والأكاديمي لهاته المستجدات التي تضمنها القانون الجديد، مؤكدة على إلحاحية التطبيق الفعال للنصوص.كما سمحت بإثراء النقاش وتقديم قراءة تطبيقية للنصوص الجديدة، في ضوء المرجعيات الدستورية والاتفاقيات الدولية. خاصة تلك المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة وفق “المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.
جدير بالذكر، أن “المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” تكفل الحق في محاكمة عادلة وعلنية. حيث تنص على أن الجميع متساوون أمام القضاء وأن لكل شخص حقا في الحصول على محاكمة عادلة من قبل محكمة مستقلة ونزيهة في القضايا الجنائية والمدنية.وتشمل هاته الحقوق افتراض البراءة، والحق في الحصول على معلومات واضحة عن التهمة الموجهة، والاستعانة بمحامٍ، وحضور الجلسات ومناقشة الشهود.كما تمنع المحاكمة أو المعاقبة مرتين على نفس الجريمة، وتضمن الحق في استئناف الحكم أمام محكمة أعلى، بالإضافة إلى الحق في التعويض عن الخطأ القضائي.