في خطوة وصفت ب”الهيكلية والهامة” في مسار تحديث الإدارة الترابية. أطلقت وزارة الداخلية ب”المغرب”، الأسبوع الفارط، حركة انتقالية جزئية في صفوف الكتاب العامين بعدد من العمالات.
يأتي هذا القرار في سياق إعادة هيكلة اوسع وترتيب مواقع المسؤولية داخل عدد من عمالات المملكة. ورغبة من الوزارة في ضخ نفس جديد وتعزيز فعالية الإدارة الترابية من خلال إمدادها بأطر شابة متمرسة وذات تجربة ميدانية. بغاية تعزيز فعالية التدبير الترابي وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي هذا السياق، وحسب معطيات حصلت عليها جريدة “العدالة اليوم” فإن هاته التعيينات الجديدة شملت أساسا أطرا تنتمي إلى فئة “الباشوات” ممن راكموا خبرة ميدانية في تدبير الملفات الترابية الحساسة. لا سيما فيما يتعلق بسلطة الضبط الإداري، تأهيل الفضاء الترابي والتنسيق بين مصالح الدولة والهيئات المنتخبة.
ويرى متتبعون أن هاته الحركة وإن بدت محدودة من حيث العدد، إلا أنها تحمل بين طياتها رسائل قوية. تنحو منحى تكريس مبادئ الحكامة الترابية كما تم التنصيص عليها في دستور 2011. القائمة على مجموعة مبادئ أساسية، ضمنها “الحكامة الجيدة” و”الديمقراطية التشاركية” و”ربط المسؤولية بالمحاسبة”. والتي تتجلى ملامحها البارزة في تكريس مبدأ “التدبير الحر” للجماعات الترابية وتعزيز دورها في تحقيق التنمية. إضافة لدعم مشاركة المجتمع المدني عبر آليات الحوار والتشاور وتقديم العرائض.
كما تروم الخطوة إلى تجويد القرار الترابي وتعزيز سياسة القرب والتواصل مع المواطنين. التي تندرج في سياق ورش إصلاحي أكبر تستهدف من خلاله وزارة الداخلية جعل الإدارة الترابية أكثر دينامية واستجابة للتحديات التنموية.
تجدر الإشارة إلى أن “المرسوم رقم 2.17.618″، المتعلق بهيكل التنظيم الإداري للعمالات والأقاليم. بمثابة “ميثاق وطني للاتمركز الإداري”، يهدف إلى تنظيم هيكل الإدارة اللامركزية للدولة في المغرب على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم. محددا آليات التنسيق والرقابة وذلك بهدف تقريب الإدارة من المواطنين. فضلا عن “القانون التنظيمي رقم 111.14″، المتعلق بالجهات. المحددين للمعايير القانونية الخاصة بوظائف الكتاب العامين، بصفتهم حلقة مركزية في التنسيق المؤسساتي وربط التواصل بين مؤسسة العامل ومصالح الدولة اللاممركزة. إضافة لممارسة الرقابة الإدارية من خلال تتبع قرارات رؤساء الجماعات وفق مبدأ الشرعية. مع تركيز مبدأ الحكامة والشفافية وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فضلا عن التتبع التنموي من خلال قيادة المشاريع ذات البعد الإقليمي أو الجهوي أو الملكي.
كما يتم النظر إلى منصب الكاتب العام باعتباره مكونا استراتيجيا في الهندسة الترابية، لكونه يشكل عقل الإدارة الترابية ومركز اتخاذ القرار الإداري اليومي.
تموقع القرار داخل السياسات العمومية
ركز تقرير صادر عن “البنك الدولي” يركز البنك الدولي على ضرورة تقوية الجماعات المحلية لضمان وفائها بمهامها وتعزيز ثقة المواطنين. فضلا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). اللذان يعتبران الإدارة الترابية عنصرا حاسما في تسريع تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى، خاصة تلك المرتبطة بالحماية الاجتماعية، الاستثمار العمومي، التأهيل الحضري والتنمية القروية والاقتصاد المجالي.
وتحث دراسة أعدها “المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية” عام (2024). على ضرورة العمل، في أفق النهوض بالمجالات الترابية، وإرساء أسس تخطيط ترابي متجدد واستشرافي مرتكز على قواعد ترابية للتحكم في الامتدادات الحضارية والتحكم في العقار والحركية والتنقل وتطوير فضاءات للعيش الكريم. مركزة على مفاهيم جديدة ضمنها جاذبية المجالات الترابية والنجابة الترابية والذكاء الترابي والاستشراف الترابي… إلخ. مبرزة ان تعثر المشاريع العمومية يرتبط بالإشكالات التدبيرية والتنظيمية أكثر من ضعف التمويل.
في شق متصل، اعتبر خبراء الإدارة الترابية أن هاته الحركة، على الرغم من محدوديتها العددية، تحمل رسائل سياسية ومؤسساتية قوية. ضمنها أن الإدارة الترابية لم تعد مجالا للثبات الوظيفي، بل فضاء لتنافس الكفاءات وتحقيق النتائج. من خلال تسريع معالجة الملفات العالقة وتحسين علاقة الإدارة بالمواطنين. خصوصا في ظل ارتفاع المطالب الاجتماعية والاقتصادية.