المغرب: “وهبي” يفجر قنبلة من العيار الثقيل بحديثه عن سطوة “لوبيات” معرقلة للإصلاح

عبد الصادق عبد الغفور

عبد الصادق عبد الغفور

 

موجة من الانتقادات صاحبت تصريح وزير العدل، “عبد اللطيف وهبي”، خلال الجلسة التشريعية، المنعقدة الثلاثاء الماضي، أمام البرلمان. بعد اعترافه بوجود، ما اسماه، “لوبيات” داخل المجلس التشريعي تعرقل مشاريع القوانين انطلاقا من مصالح فئوية ضيقة.  

قول الوزير غير مسبوق، خاصة وانه يأتي من عضو بارز في التحالف الحكومي القائم، وزعيم حزب سياسي سابق. وهو ما يفجر تساؤلات مشروعة عن المقصود بهاته الخرجة الصادرة عن “وهبي”؟. وعن نزاهة العملية التشريعية واستقلالية المؤسسات الدستورية.

اتصال القوانين بالمصالح

خلال تقديمه لمشروع “القانون رقم 70.24″، ذا الصلة بالزيادة في تعويضات ضحايا حوادث السير. أكد “وهبي” بأن القانون تم تمريره “بصعوبة كبيرة”. مرجعا الأمر، لوجود، ما اسماه، ضغوطا تمارسها جهات نافذة داخل المؤسسة التشريعية، أي الإقرار بوجود جماعات ضغط ومصالح قادرة على التأثير في مسار السلطة التشريعية. 

الأدهى من ذلك ان الوزير لم يعمد إلى التلميحات أو الإيماءات في عرض الوقائع. بل قالها بوضوح”: “نعرف أن البرلمان فيه لوبيات تدافع عن مصالح مالية كبيرة، سواء مصلحة شركات التأمين أو غيرها”.

تصريح كان من المفترض أن يثير قنبلة سياسية وقانونية، ويدفع بالتالي لفتح تحقيق عاجل في مضامينه. وذلك لعدم صدوره عن نائب برلماني أو مؤسسة حزبية أو معارضة سياسية. بل عن وزير مسؤول في تحالف حكومي قائم. فضلا عما يحمله التصريح من خطورة كبرى، لأنه يزيد في تعميق حالة النفور السياسي ويوسع فقدان ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة.

“وهبي” بين الاعتراف والتبرير أية مسافة؟

فجر “وهبي” قنبلة من العيار الثقيل بادعائه وجود ضغوط قوية لتمرير إصلاحات من داخل المؤسسة التشريعية، مقرا بأن المعارضة تأتي حتى من داخل التحالف القائم. في “تبرير” لعجز بنيوي في تركيبة التحالف القائم وعدم القدرة على حماية المصلحة العامة.  

وفي هذا السياق قال “وهبي”: إن وزارته “حاولت” رفع تعويضات ضحايا حوادث السير بنسبة 150%. مضيفا أن هاته المحاولة ووجهت بشراسة، مرجعا الأمر لوجود ما أسماه “مصالح مالية كبيرة” قاومت هذا التوجه. 

تبريرات تقلب أوراق المشهد السياسي بالمغرب، وتفتح سؤالا محوريا ذا صلة بدور المؤسسات والسلطات القائمة ومدى دستوريتها. وما الذي يقصده “وهبي” بهاته “اللوبيات” المعرقلة لخطط الحكومة من داخل قبة البرلمان؟. وهل يمكن أن نتحدث، والحالة هاته، عن عجز حكومي أمام سطوة هاته “اللوبيات”؟. أم أنها إعادة إنتاج لسلطة تبرير العجز كما فعلها سلفه “بنكيران” من خلال حديثه عن فزاعة “التماسيح والعفاريت”، التي اطلقها حينها. ليبقى السؤال القنبلة هو: هل هناك بالفعل “لوبيات” تعرقل مسار البناء؟. ومن يحمي هاته اللوبيات فعليا إن وجدت؟. وكيف تقف حكومة تدعي القيام بإصلاحات كبرى ومحاربة الفساد مكتوفة الايدي عاجزة أمام “سطوة” شركات التأمين وغيرها؟. واتصالا بذلك كيف يمكننا الحديث عن مشروع تنموي جديد وجهوية موسعة ومؤسسات قادرة. وعن دولة الحق والقانون أمام هاته الخرجة الحاملة لسلطة العجز القائمة أو المبررة للفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع اقتراب فترة موتها الدستوري؟.

تصويت مطبوع بأجواء من التوثر

صادق مجلس النواب على “مشروع القانون رقم 70.24″، ب107 من الأصوات المؤيدة في مقابل 37 صوتا معارضا.  إلا أن الأجواء التي ميزت جلسة المناقشة والتصويت اتسمت بالتوتر الحاد والمعارضة الشرسة. والتي أرجعها “وهبي” لتشابك مصالح مع ما اسماه ب”اللوبيات”.

وضع يفجر أجواء من عدم الثقة في المؤسسات الدستورية بما حمله التصريح من خطورة تتحدث عن وجود قوى من خارج المؤسسات لهاته اليد الطولى. وعن قدرتها على التأثير على القرارات ذات الصلة بتدبير الشأن العام. وهو ما يعكس هشاشة المنظومة التشريعية وعجزها على الصمود في وجه الضغوطات وتشابك سطوتي المال والأعمال.  

وضع يسيء للمؤسسة التشريعية ولصورة المغرب ويكشف عن حقيقة ذات صلة بوجود قوى أقوى حتى من المؤسسات الدستورية. الأمر الذي يزيد من فقدان ثقة المواطنين في هاته المؤسسات. بل ويعرقل في المحصلة كل إمكانيات للاستثمار في المغرب، اعتبارا لكون الخطاب لم يكن خطابا صادرا عن جهات دنيا في الدولة بل عن جهة عليا تعتبر أساسية ضمن التحالف الحكومي القائم. 

أمر يفرض على السلطات القضائية مباشرة تحقيق قضائي في هاته الادعاءات لأنها تسيء لصورة مؤسسة دستورية. وتكشف بالتالي عن حقائق صادمة تؤثر على صورتها أمام المواطنين وأيضا أمام الرأي العام العالمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.