قصة من رحم وجع فاجعة “آسفي”

خالد الصغير

خالد الصغير

 

من عادة الأطفال أن يخرجوا، صبيحة كل يوم “أحد”، باعتباره يوم عطلة لزيارة الأهل والأحباب للاستمتاع وقضاء يوم جميل في أجواء من الفرح والسعادة.

في ظل هاته الأحلام، خرج طفلان رفقة والديھما من مسقط رأسھم بأحد الدواوير المجاورة ل”مدينة آسفي”. أملا في قضاء اليوم الأخير من العطلة في التجول والاستمتاع بفضاءات المدينة الجميلة الواسعة، استعدادا لبداية أسبوع دراسي جديد بحماس ونشاط وحيوية كبيرين.

لم يتبادر إلى ذھنهما إطلاقا أن القدر يخبئ لھما نھاية أخرى ومصيرا مختلفا.

لدى وصولهم للسوق بوسط المدينة، هاجمهما غول طبيعي اسمه “الوادي”، على حين غرة، قاتلا البسمة الموزعة بين ثناياهما ومنهيا تفاصيل حلم البراءة البسيط باللعب واللهو والسمر في لحظات قصيرة قبل العودة للروتين اليومي.  

تحولت تلك اللحظات المسروقة من عمق الزمن لرعب حقيقي وفوضى عارمة قضمت عرى الحلم وقتلت البسمة المنتظرة بقضاء يوم جميل.

وبطريقة ما من تصاريف القدر، نجا الطفلان معا وتمكنا من الخروج من بين ركام السيول والوحل والاحتماء بمدخل إحدى العمارات. وكأني ها هنا أستحضر قصة نبي الله موسى عليه السلام ونجاته من بين أمواج البحر إلى بر الأمان.

ھناك انتبھت سيدة طيبة القلب لوجودهما، فأدخلتھما منزلھا واعتنت بھما. لتنشر لاحقا صورتھما وقصتھما على مواقع التواصل الإجتماعي. في محاولة للعثور على والديھما، علما أن الطفلين لم يكونا يعرفان حتى اسم المكان الذي يعيشان فيه.

إلا أن الصدمة المدوية في تفاصيل ھاته القصة كانت أقسى وأمر بورود وتداول خبر وفاة والدي الطفلين وأختھما الرضيعة بعد أن التهمتهما السيول الجارفة. مدونة فصلا من ذراما إنسانية نتيه في تفسير أسبابها والجهة التي يمكن أن يوجه إليها اتهام قتل هاته البسمة والدفئ العائلي المغتال. هل للقدر؟ هل للطبيعة وقوتها؟ هل لبنى تحتية مهترئة عجزت عن تصريف المياه ضمانا للحياة؟ هل لسلطات محلية نائمة في العسل؟ هل لسلطات إقليمية مغمضة عيناها عن ممارسة الأشكال التدبيرية والرقابية؟ ونتيه في بحر السؤال الذي يتقاذفه الموج في كل الزوايا والاتجاهات. لتبقى الحقيقة القائمة يتم قسري لطفلين كانا، إلى حين، في حضني والديهما ليفارقاه إلى الأبد. 

ملامح الطفلين ونظراتھما في الصورة الملتقطة لھما من طرف السيدة تختصر حجم الألم والمعاناة التي عاشتها ساكنة المدينة المكلومة. وتعابير زمن اضحى فيها الإنسان مكبا لفساد نظم تدبيرية قبل أن تكون طبيعية.

قصة ملتقطة من رحم المعاناة تعكس عمق الجراح ولهيب الصدمات التي عاشتها ساكنة آسفي الجريحة. ليبقى الممكن قوله أمام هول الفاجعة وقوة المحمول، رحم الله جميع الضحايا ومتع ذويهم بالصبر على المصاب الجلل الذي حل بها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.