فاجعة “آسفي” وسؤال المسؤولية حتى لا تتكرر الفواجع؟

بقلم محمد حميمداني

بقلم محمد حميمداني

 

ما شهدته مدينة “آسفي” من فواجع وما عرته أمطار الخير من بنى تحتية مهترئة لم تستوعب غضبا بسيطا من الطبيعة بشارع “بئر إنزران” ومحيط “وادي الشعبة” و”ساحة بو الذهب”. كشف عن تخلف كبير في هاته البنى لا يمكن أن تغطيه الاجتماعات الروتينية وما تتسم به من رتابة وصراعات شخصانية بعيدة كل البعد عن انتظارات الساكنة وهمومها اليومية وواقع معاناتها اللامنتهي. 

فالواقعة عرت بشكل جلي هشاشة البنية التحتية، بعدما تحولت تساقطات وصفت بـ“العادية” إلى فواجع إنسانية وخسائر جسيمة. فأعادت بالتالي إلى الواجهة أسئلة الحكامة والوقاية والمسؤولية السياسية والإدارية في تدبير المخاطر.

فاجعة لا يمكن تعدادها كأرقام ضحايا بل كعمق فواجع وغور لامسؤولية للمجالس المنتخبة في تدبير غضب بسيط، فما بالك إن تعلق الامر بغضب طبيعي أشد. فليس من المقبول النظر إلى الحدث كأرقام للضحايا فقط، بل التوجه إلى عمق الاختلالات البنيوية التي كشفتها الأمطار وعجز كافة التدابير الاستباقية في تجيبنا الفواجع وحماية الأرواح والممتلكات.

فاجعة عرت المستور في تدبير المدينة وأبرزت غياب كل شكل وقائي حماية للأرواح والأرزاق. ونقلت فشلا ذريعا في التدابير الاستعجالية والحملات التلفزية التي تسقط مع قطرة ماء من رحمان رحيم لتعري واقع التسيب واللامسؤولية التدبيرية. 

وإننا إذ نعزي أنفسنا وعائلات ضحايا هاته الفاجعة الموجعة التي ألمت بفناء المدينة فحولت شوارعها إلى دموع عن فقد قريب أو أخ أو صديق أو حبيب. نعتبر أن ما حصل هو محاكمة لكل الأشكال التدبيرية المنتهجة ليس خلال هاته الفترة فقط بل في كل الفترات السابقة.  

فما وقع ب”آسفي” المكلومة لا يمكن إلصاقه بالمطلق بالطبيعة التي تبقى أرحم من السلوك التدبيري الإنساني المغيب لروح الإنسان والإنسانية لفائدة لغة الأرقام والمصالح النثنة التي تهضم الحقوق باسم حمايتها والدفاع عنها.

إن ما وقع يستوجب محاكمة فعلية لكل من له صلة من قريب أو بعيد بهاته الفاجعة. إحقاقا للحق وبناء لمغرب الحقوق والواجبات ودولة المؤسسات. وتنزيلا للمبادئ الدستورية ذات الصلة بربط المسؤلية بالمحاسبة. لأن الذين رحلوا ليسوا أرقاما في سجلات الوفيات بل مواطنون مغاربة من رعايا صاحب الجلالة الملك “محمد السادس”، أعزه الله. قذف به الإهمال واللامسؤولية إلى فناء الاحتضار القسري مع سبق الإهمال والمسؤولية. 

أكيد أن المصاب جلل وأن اللحظة تقتضي اولا تجنيد كل الطاقات الممكنة لإنقاذ “آسفي” المنكوبة وتضميد جراح أهلها ممن اكتووا بنيران الفقد المادي والبشري. لكن لا يمكن بالمطلق حصر الفاجعة في الجرد الرقمي وتكميم الواقعة كأحداث رقمية لأوراق توت تساقطت. بل إعمال القانون بقوة وصرامة ضد كافة المخلين بالواجبات والالتزامات. والمقصرين في أداء الواجب باعتبارهم هم المسؤولون الفعليون عن فصول هاته المأساة وما حملته من آلام.

لا يمكن بالبات والمطلق التساهل مع غور الجراح التي فتحت، خاصة وأن الدستور في فصوله واضح ويؤكد على واجب الوقاية وربط المسؤولية بالمحاسبة. خاصة في الفصل 31 منه الذي يقر بالحق في السلامة والعيش في بيئة سليمة. مؤكدا على التزام الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتعبئة الموارد لتيسير حقوق المواطنين في مجالات أساسية كالرعاية الصحية، الحماية الاجتماعية، السكن اللائق، التعليم، الشغل، التغذية، البيئة، التنمية المستدامة والتنمية الثقافية والاجتماعية. مع التركيز على المساواة وتوفير فرص متكافئة للجميع. بل أنه يعتبر الأساس المرجعي “للدولة الاجتماعية” في المغرب. أي أنه يوجه السياسات العمومية لتلبية الحاجات الأساسية للمواطنين.

كما أن الفصل 154 من الدستور يؤكد على ضرورة انتهاج مبادئ الجودة والنجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وعلى ضرورة انتهاج الحكامة الجيدة أسلوبا للتدبير. حيث ينص على أن المرافق العمومية يجب أن تنظم على أساس المساواة والإنصاف والاستمرارية، وتخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، مع ربطها بالقيم الديمقراطية، وهذا هو الأساس الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة فعليا بما يضمن النجاعة في الأداء العمومي.

وفي السياق ذاته يحمل “القانون التنظيمي 113.14″، المتعلق بالجماعات الترابية المنتخبين مسؤولية تدبير المرافق والبنيات الأساسية. مؤكدا على ضرورة تعزيز مبدأ التدبير الحر واللامركزية. محددا في الوقت نفسه اختصاصات الجماعات في تقديم خدمات القرب، وتنظيم المرافق الأساسية (كالماء، الكهرباء، النقل، الأسواق، …)، وإنجاز البنيات التحتية. فاتحا الباب أمام إقامة الشراكات والتدبير المفوض لإحداث وتدبير المرافق، مع التركيز على الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة. 

وهكذا فمن الناحية القانونية لا يمكن تعويم الفاجعة وإلصاقها بظروف طبيعية بل في إخلال المسؤولين بمسؤولياتهم وواجباتهم المهنية والدستورية اتجاه المواطنين. وبالتالي ضلوعهم بشكل مباشرة في عمق الفاجعة. وتبعا لذلك تبقى المساءلة والمحاسبة واجبة إنصافا للضحايا ولذويهم المفجوعين المكلومين ولشعب يتوق لأن يرى بسمة عدالة قضائية وإدارية توقف كل هذا العبث. 

وفي هذا الصدد فإن مقتضيات القانون الجنائي المغربي فيما يتعلق بالإهمال المؤدي إلى الوفاة أو الأضرار الجسيمة، متى ثبت التقصير، واضحة. وعلى السلطات العمل على تفعيلها لكي لا تتكرر المأساة والفواجع في جهات أخرى فنعود لنحصي من جديد عدد الضحايا ونجمع أوراقنا بعدها في رحلة “سيزيفية” لا تنتهي أبدا.

المرجع القانوني المضمون المستهدف الإسقاط على فاجعة آسفي
الفصل 31 من الدستور الحق في السلامة والعيش في بيئة سليمة. عجز المؤسسات عن توفير الأمن للمواطنين في شوارع المدينة.
الفصل 154 من الدستور مبادئ الجودة، الاستمرارية، والمحاسبة. الفشل في التدبير الاستباقي وسقوط “الحملات التلفزية” مع أول قطرة.
القانون التنظيمي 113.14 مسؤولية الجماعات في تجهيز البنية التحتية. إخفاق المجالس المنتخبة في حماية الأرواح والأرزاق (خدمات القرب).
القانون الجنائي الإهمال والتقصير المؤدي للوفاة. المطالبة بفتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤوليات الجنائية.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.