سلا: اختلالات في تنظيم “منصة المريسة” لتشجيع المنتخب الوطني تستوجب المساءلة والمتابعة

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

أثار التنظيم المعتمد ب”منصة المريسة” ب”مدينة سلا”، المخصصة لمتابعة مباراة “المنتخب الوطني المغربي” عبر شاشة عملاقة. موجة واسعة من الانتقادات والاستياء. بعد تسجيل اختلالات وصفت بـ”الخطيرة”، شملت حرمان أشخاص في وضعية إعاقة من ولوج المنصة، وفرض تحميل تطبيق إلكتروني كشرط للدخول. إضافة لمنع عدد من الصحفيين من تغطية الأجواء، فيما اعتبره مهنيون وحقوقيون مساسا بحقوق دستورية أساسية.

هاته التطورات فجرت نقاشا واسعا في الشارع، وعبر منصات التواصل الاجتماعي حول جدوى المبادرة. وطبيعة تدبير الفضاءات العمومية وحدود سلطة المنظمين في تقييد الولوج إلى أنشطة ممولة أو منظمة باسم المصلحة العامة.

إقصاء ذوو الاحتياجات الخاصة خرق قانوني صريح

وفق ما عاينته جريدة “العدالة اليوم”، فقد عمد المنظمون لمنع عدد من الأشخاص في وضعية إعاقة من ولوج المنصة. بسبب غياب ممرات الولوج والتجهيزات الملائمة.  

وضع يشكل، وفق فاعلين حقوقيين. خرقا واضحا “للقانون رقم 97.13″، المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها.

حيث ينص هذا القانون صراحة على: “ضمان ولوج الأشخاص في وضعية إعاقة إلى الفضاءات العمومية دون تمييز”. بغاية حماية حقوق هاته الفئة والنهوض بها. محددا مبادئ عامة ومجالات تدخل رئيسية. ضمنها الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم والتشغيل والولوجيات. مشددا على ضرورة ضمان تكافؤ الفرص والدمج. و”الظهير الشريف بتنفيذه”، الصادر عام 2016. كما تبعته مراسيم تطبيقية. ضمنها مرسوم منح “بطاقة شخص في وضعية إعاقة لضمان الاستفادة من الامتيازات”. 

كما ينسجم هذا المقتضى مع “الفصل 34 من الدستور المغربي”، الذي يوجه السلطات العمومية لوضع سياسات عمومية بهدف دعم الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين. لضمان حقوقهم في الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، ويتجسد هذا في مبادئ تكافؤ الفرص وتوفير الشروط اللازمة لتحسين ظروف عيشهم، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والشغل. مشكلا بذلك أساساً لسن قوانين خاصة. ضمنها قانون حماية الأشخاص ذوي الإعاقة.

ممارسات لاقت شجبا واستنكارا من قبل الحاضرين، حيث اعتبرها فاعل جمعوي بأنها لا تعكس سوء تنظيم فقط. بل تكرس تمييزا فعليا يمس كرامة فئة محمية دستوريا.

على أي أساس يستند فرض تطبيق إجباري للدخول؟

لم يكتف المنطمون بحرمان ذوي الاحتياجات الخاصة من ولوج المنصة لمتابعة مباراة “المنتخب المغربي”. بل تم أيضا إلزام المواطنين بتحميل تطبيق “يالا Yalla” كشرط للدخول، في سابقة غير مفهومة. ودون حتى تقديم أي توضيح رسمي للأساس القانوني أو طبيعة المعطيات الشخصية التي يتم جمعها.

إجراء يطرح أكثر من علامات استفهام قانونية ذات صلة ب”القانون رقم 09.08″، المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. ومبدأ الرضى الصريح والمسبق في معالجة البيانات. 

حيث ينص “القانون رقم 09.08″، على حماية الخصوصية. مؤسسا ل”مبدأ الرضا الصريح والمسبق” كأحد الشروط الأساسية لجمع ومعالجة البيانات. مؤكدا على مبادئ مثل النزاهة، الشفافية، تحديد الغرض وتحديد مدة الاحتفاظ بالبيانات. مع ضمان حقوق الأفراد في الوصول والتصحيح.

ففرض تطبيق رقمي كشرط لدخول فضاء عمومي قد يشكل خرقا ل”مبدأ التناسب والاختيار الحر”، إذا لم يكن مؤطرا بنص واضح ومعلن.

منع الصحفيين مساس بحرية الإعلام

الأدهى من ذلك، فقد عمد المنظمون لمنع عدد من الصحفيين من تغطية الأجواء، في ضرب صريح لحق الإعلام في نقل الحدث. على الرغم من الطابع العمومي للحدث وارتباطه بتظاهرة وطنية جامعة.

سلوك يعتبر ضربا خطيرا لضمانات حرية الصحافة المكفولة بموجب “الفصل 28 من الدستور المغربي”. الذي يضمن حرية الصحافة ويمنع الرقابة القبلية عليها. مؤكدا حق الجميع في التعبير ونشر الأخبار والأفكار بحرية. مع ترك القانون يضع الضوابط اللازمة لضمان الاستقلالية الديمقراطية لقطاع الإعلام. والسهر على احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية. مع تحديد قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية. وأيضا تعديا على الحقوق المكفولة للصحافيين وفق “القانون رقم 88.13″، المتعلق ب”الصحافة والنشر”.

لمن تم وضع هاته المنصة؟

أمام هذه الاختلالات المسجلة، والتي تخالف روح الدستور والقوانين ذات الصلة. يبقى السؤال المرجعي الذي يفرض نفسه في الشارع السلاوي عن المغزى من وضع هاته المنصة إذا كان المواطن ممنوعا من ولوجها وذوو الإعاقة مقصيين والصحافة مبعدة.

أمام هاته الوقائع الصادمة يتم طرح سؤال ذا صلة بتحول المبادرة التي تم إطلاقها على الصعيد الوطني. من فضاء عمومي جامع إلى منصة مغلقة موجهة لفئات محددة؟. 

واقعة فجرت دعوات لمساءلة المنظمين عن دوافع هاته الخروقات. فيما الجهد الرسمي يسعى بقوة لإنجاح التظاهرة القارية المقامة على أرض المملكة المغربية. الأمر الذي يقتضي فتح تحقيق إداري حول ظروف التنظيم. مع توضيح الأساس القانوني للإجراءات المعتمدة وترتيب المسؤوليات. وذلك بما يضمن احترام الحقوق الدستورية للمواطنين. علما أن الفضاءات العمومية ليست ملكاً للمنظمين، بل حق جماعي يجب تدبيره بشفافية ومساواة.

ف”منصة المريسة”، التي تم إحداثها لمتابعة مباراة المنتخب المغربي عبر شاشة عملاقة. ليست مجرد فضاء رياضي عابر. وما تم تصريفه ليس بالحدث البسيط لأنه تعد على حقوق عامة، الأمر الذي يجعله قضية قضية رأي عام. مع إقدام المنظمين على إقصاء ذوي الاحتياجات الخاصة من حقهم في لحظة فرح بإنجازات المنتخب الوطني. وفرض تطبيق رقمي غير قانوني للولوج ما حرم مجموعة كبيرة من المواطنين من تتبع اطوار المبارات التي جمعت “أسود الأطلس” ب”منتخب جزر القمر”. فضلا عما حمله من تعد على حقوق قانونية ودستورية للصحافة والإعلام. بمنع الأطقم الصحافية من أداء مهامها. 

بهاته الخطوة تزيغ المبادرة عن شروط الفضاء العمومي نحو الانزلاق في اتجاه تدبير انتقائي. وهو الأمر الذي عكسه الحاضرون بالقول: “جئنا لمتابعة مباراة وطنية في فضاء عمومي. وجدنا أنفسنا أمام شروط غير مفهومة”.

ما وقع لا يمكن النظر إليه كحدث عرضي. بل كنتيجة لغياب تصور شامل للحق في الولوج. كما أنه ألغى حق فئة واسعة من المجتمع في متابعة حدث رياضي وطني. متناقضا في خطواته مع منطق “الفرجة الجماعية”.

فمن يتحمل المسؤولية إذن؟ ومن هنا لا بد من استحضار مجموعة تساؤلات عن الجهة المنظمة، وهل وضعت دفترا واضحا للتحملات؟. عن السلطات المحلية ومراقبتها لاحترام شروط الولوج؟. عن الشركاء التقنيين ودورهم في فرض التطبيق؟. لأن أي أي نشاط في فضاء عمومي يجب أن يخضع لمنطق الخدمة العامة، لا الامتياز.

فقضية “منصة المريسة” ليست تفصيلا تنظيميا. بل إنها مرآة لاختلالات أعمق في تدبير الفضاء العمومي. مع تسجيل غياب المقاربة الحقوقية وضعف التواصل المؤسساتي وتهميش الصحافة كمراقب مستقل.

ويبقى السؤال معلقا. هل ستكون هاته الواقعة مناسبة للتصحيح والمساءلة، أم مجرد حدث يطوى دون محاسبة؟. وبالدارجة المغربية: “”علاش دارت هاد الشاشة أصلا”؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.