المغرب: لماذا يرفض المحامون مشروع “قانون المحاماة” الجديد؟

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

يفتح مشروع قانون مهنة المحاماة الحامل ل”رقم 66.23″، الباب أمام واحدة من أعمق محطات مراجعة الإطار القانوني المنظم للمهنة، منذ صدور “القانون رقم 28.08”. واضعا هيئة الدفاع أمام تحولات إجرائية وتنظيمية تمس الولوج إلى المهنة، شروط ممارستها، ضمانات الاستقلال والعلاقة مع القضاء. في سياق وطني متسم بتسارع الإصلاحات القانونية والرهان على تحديث منظومة العدالة.

ولا تقف رهانات المشروع عند حدود النصوص. بل تطال الممارسة اليومية داخل المحاكم ومكاتب المحاماة. بما قد تفرزه من آثار مباشرة على مسار المحامي المهني وأيضا على جودة الولوج إلى العدالة.

ولوج مهنة المحاماة: مسار أطول ومعايير انتقاء أكثر صرامة

من أبرز المستجدات التي حملها المشروع، إعادة هندسة مسار الولوج إلى مهنة المحاماة. عبر تعزيز موقع التكوين المهني كمحطة حاسمة.  

وفي هذا السياق ينص المشروع على تمديد مدة التكوين. مع إخضاع المتمرنين لتقييمات مرحلية ونهائية أكثر تشددا سواء على مستوى المحتوى أو التقييم. فضلا عن الدمج الإجباري بين التكوين النظري والتطبيقي.

عمليا، لم يعد النجاح في مباراة الولوج كافيا لضمان الاستمرار في المهنة. بل أصبح المترشح مطالبا بمسار تكويني طويل يدمج بين الشقين النظري والعملي، مع امتحانات مرحلية ونهائية حاسمة في استمرار المتدرب داخل المسار. وهو ما قد يشكل، وفق منتقدين، “عتبة إقصاء غير مباشرة”.

وفي هذا السياق، يرى البعض أنه وعلى الرغم من كون الرفع من جودة التكوين هدف مشروع. إلا أنهم يخشون من أن يتحول التجويد لأداة انتقائية تفرغ الحق في الولوج من مضمونه الدستوري.

ممارسة المهنة: إعادة تعريف الاستقلال وحدود التنافي

يعيد المشروع صياغة مفهوم استقلالية المحامي، رابطا إياها بقيود تنظيمية أوضح. حيث يتم تشديد قواعد التنافي وتوسيع حالات المنع من الجمع بين المحاماة وأنشطة أخرى.

تعزيز دور الهيئات في مراقبة شروط الممارسة.

يستند هذا التوجه إلى مقتضيات الفصل 120 من الدستور، الذي يربط ضمانات المحاكمة العادلة باستقلال الدفاع. غير أن فاعلين مهنيين يحذرون من تضخم السلطة التنظيمية للهيئات دون تعزيز آليات الطعن والرقابة.

على المستوى الإجرائي سيجد عدد من المحامين أنفسهم مطالبين بإعادة ترتيب أوضاعهم المهنية، سواء داخل شركات أو في ارتباطهم بمؤسسات خاصة أو عمومية.  

كما يعزز المشروع دور الهيئات في مراقبة شروط الممارسة، بما يمنحها صلاحيات أوسع. لكنه وفي المقابل، يطرح أسئلة حول حدود السلطة التأديبية وضمانات المحاكمة المهنية العادلة.

حصانة الدفاع: ضمانات نصية وأسئلة تنفيذية

ينص المشروع في ظاهره، على تعزيز حصانة المحامي. من خلال التنصيص على قواعد إجرائية يجب التقيد بها عند متابعة المحامي أو تفتيش مكتبه او الاستماع إليه. لكن على المستوى العملي تبقى هاته الإجراءات، بحسب مهنيين. مرهونة بمساطر دقيقة قد تفرغها من فعاليتها إذا لم تقترن بضمانات تنفيذية واضحة.

في هذا الشأن، يخشى مهنيون أن تتحول هاته المقتضيات في باب الممارسة اليومية، إلى “حصانة مؤجلة”. أي خاضعة لتقدير النيابة العامة أو قاضي التحقيق، بدل أن تشكل حماية فعلية تضمن استقلال الدفاع. خاصة في القضايا ذات الطابع الحساس.

لأن الحصانة لا تقاس بقوة النص، بل بمدى تحصينه ضد التأويل الواسع خلال الممارسة.

التنظيم المهني: مركزية أكبر أم تضييق على الاستقلال الفردي؟

يعزز المشروع من مركزية التنظيم المهني. وذلك من خلال توسيع صلاحيات “هيئات المحامين” و”جمعية هيئات المحامين بالمغرب”. عبر منحها اختصاصات إضافية في مجالات التأطير والتأديب والتكوين.

وفي هذا السياق، تم توسيع دور هاته الهيئات والجمعيات ليشمل التأطير، التكوين، التأديب والتدبير المهني. الأمر الذي يعني من الناحية الإجرائية، أن قرارات التنظيم الذاتي ستصبح أكثر تأثيرا في المسار المهني للمحامي، سواء تعلق الأمر بالتسجيل، أو التمرين، أو التأديب، أو التكوين المستمر.  

واقع سيثير إشكالية التوازن بين التنظيم الذاتي والاستقلال الفردي للمحامي. في ظل غياب نصوص واضحة حول آليات الطعن في القرارات التأديبية ذات الطابع المهني. 

التحول الرقمي: نص متقدم وواقع غير متكافئ

يفتح المشروع الباب أمام رقمنة الممارسة المهنية، من خلال الترافع الإلكتروني، أو التبليغ الرقمي، أو تدبير الملفات عن بعد. غير أن هاته المقتضيات تطرح تحديات عملية مرتبطة بجاهزية المحاكم، وتفاوت الإمكانات بين المحامين، خصوصا في المدن الصغرى.

مشروع يواجه على مستوى أرض الواقع، بتقارير “المجلس الأعلى للسلطة القضائية” التي تشير إلى تفاوت كبير في جاهزية المحاكم. خاصة خارج المحاور الحضرية الكبرى. فيما تظهر إحصائيات وطنية أن العديد من المحامين الشباب يواجهون صعوبات لوجستيكية وتقنية تعيق اندماجهم السلس في الرقمنة.

أمر يمكن أن يحول الرقمنة إلى عبئ إضافي بدل أن تكون أداة لتسهيل العمل، إذا لم يتم مواكبتها ببنية تقنية واضحة، وتكوين مستمر، وضمانات لحماية المعطيات المهنية وسرية الدفاع.

الإصلاح ببين النص والممارسة؟

يحمل مشروع “قانون مهنة المحاماة 66.23” الكثير من الوعود بتحديث الإطار القانوني للمهنة. إلا أنه يثير في المقابل نقاشا حادا حول المنهج والضمانات وحدود السلطة التنظيمية.  

وهكذا ففي وقت يرى فيه البعض الخطوة ضرورية لمواكبة التحولات. يعتبره آخرون مساسا بتوازنات تاريخية داخل المهنة. ليبقى الرهان الحقيقي معلقا على كيفية تنزيل هذه المقتضيات، وقدرة الحوار المهني على تحويل النص إلى إصلاح فعلي. مع فتح نقاش عميق حول منهج الإصلاح وحدود السلطة التنظيمية وضمانات الاستقلال الفعلي للمحامي، لا مجرد إعادة الصياغة القانونية.

تجدر الإشارة إلى أن مشروع “القانون رقم 66.23” يتقاطع مع النموذج الفرنسي المشدد على التكوين المستمر. فضلا عن النموذج الإسباني المؤكد على ضرورة تعزيز دور الهيئات المهنية.

إلا أن هاته النماذج تقرن التشدد التنظيمي بضمانات قوية للاستقلال. فضلا عن آليات رقابة قضائية فعالة على القرارات المهنية. الأمر الذي لا تتوفر عليه البنية القانونية القائمة في المغرب.

فبين هاته الخطوط يبقى الإشكال الفعلي القائم مرتبطا بكيفية التنزيل العملي. إضافة للقدرة على خوض حوار مهني ومؤسساتي على تحويل النص إلى إصلاح فعلي يخدم العدالة وحقوق المتقاضين.

المحور الاستراتيجي المستجد الإجرائي التحدي القائم
الولوج والتكوين تمديد المدة، امتحانات مرحلية ونهائية. خطر تحوله إلى “عتبة إقصاء” غير دستورية.
حصانة الدفاع قواعد دقيقة للتفتيش والاستماع. “حصانة مؤجلة” تخضع لتقدير النيابة العامة.
الاستقلال والتنافي تشديد حالات المنع والجمع بين الأنشطة. التوازن بين “التنظيم الذاتي” وحرية المحامي.
الرقمنة مأسسة الترافع والتبليغ الرقمي. تفاوت الجاهزية بين “المحاور الكبرى” و”المغرب العميق”.
المرجعية الدولية استلهام النموذجين الفرنسي والإسباني. غياب آليات الرقابة القضائية الفعالة بالمقارنة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.