مشروع قانون المسطرة المدنية يثير جدلا واسعا خاصة في أوساط المحامين
العدالة اليوم
أثار مشروع قانون المسطرة المدنية جدلا واسعا خاصة في أوساط المحامين بالمغرب، خاصة المادة 17 التي تمنح النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية، هذا الحق المطلق وغير المقيد بآجال محددة الذي يثير تساؤلات حول آثاره على الأمن القضائي واستقرار المعاملات وآثارها أيضا على الدفاع وحقوق المتقاضين.
احتج مئات المحامين، السبت الماضي، أمام قبة البرلمان بالعاصمة الرباط، رفضا لمشروع المسطرة المدنية الذي صادق عليه مجلس النواب، وينتظر عرضه على مجلس المستشارين في وقت لاحق.ووصف مكتب جمعية هيئات المحامين، مقتضيات مشروع المسطرة المدنية بـ”الانتكاسية”، وطالب أعضاء الغرفة الثانية بالبرلمان بالعمل على “تصحيح وإصلاح اختلالات المشروع من أجل قانون عادل ومنصف ومتوازن”.
وجاء في المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه من طرف الغرفة الأولى بمجلس النواب، أنه: “يمكن للنيابة العامة المختصة، وإن لم تكن طرفا في الدعوى، ودون التقيد بأجل الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تطلب التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام”.
وتابعت المادة نفسها، أنه: “يتم الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار، بناء على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائيا أو بناء على إحالة من الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حالة ثبوت خطأ قضائي أضر بحقوق أحد الأطراف فادحا.”
وفي هذا الصدد، قال مصطفى محمد صدقي المحامي بهيئة الدار البيضاء في تصريحه”، “إن إقرار المادة المذكورة بهذه الصيغة له من مجموعة السلبيات كما أنه يتضمن خرقا للعديد من المبادئ الأولية في القانون والدستور”، ووصف أن المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، تتضمن عشر خطايا”.
تأثير على الأمن القضائي
لخص المحامي مصطفى محمد صدقي، هذه الخطايا في عشر نقط هي، التأثير على الأمن القضائي واستقرار المعاملات، مبرزا “أن اعتماد هذا المقتضى من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الثقة في الأحكام القضائية، حيث يمكن لأي حكم أن يتعرض للطعن من قبل النيابة العامة حتى بعد فترة من صدوره. كما يمكن أن يؤدي الى تزايد النزاعات وعدم الرغبة في اللجوء إلى القضاء لحل المنازعات”.
وأوضح المحامي، ضمن تصريحه”، أن انعدام الاستقرار القانوني من خلال المادة 17 من مشروع مدونة الأسرة، “يمكن أن يؤدي إلى حالة من عدم اليقين القانوني حيث قد تتغير الأحكام النهائية التي كان يُعتقد أنها مستقرة وغير قابلة للطعن، لافتا إلى أنها تؤثر على ثقة الأفراد والشركات في النظام القضائي ويجعل من الصعب على الأطراف الاعتماد على الأحكام النهائية”.
ومن خطايا المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يردف صدقي “تعطيل العدالة، وذلك من خلال إمكانية الطعن المستمر التي قد تؤدي إلى تعطيل تنفيذ الأحكام وتأخير العدالة، الشيء الذي يمن شأنه أن يؤدي إلى زيادة العبء على المحاكم وزيادة تكاليف الإجراءات القانونية”.
وتطرق المحامي كذلك، إلى طلب النيابة العامة التصريح ببطلان كل مقرر قضائي يكون من شأنه مخالفة النظام العام، قد يمس بـ”مصداقية الأحكام القضائية، وذلك من خلال إعطاء النيابة العامة صلاحية الطعن في أي حكم يمكن أن يؤدي إلى التشكيك في نزاهة الأحكام ومصداقيتها، كما قد يقلل من فعالية النظام القضائي في جل النزاعات بشكل نهائي وسريع، مما قد يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام القضائي، حيث سيشعر الأفراد بعدم الأمان القانوني وعدم اليقين بشأن استقرار الأحكام”.
خرق للدستور
ولفت المحامي مصطفى محمد صدقي، إلى أن تمرير المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، سيشكل “خرق مبدأ اكتساب الأحكام لقوة الشيء المقضي به، وهو ما يتناقض مع مبدأ استقرار الأحكام بعد صدورها واكتسابها لقوة الشيء المقضي به، مما يجعل الأحكام عرضة للطعن بشكل مستمر ويسبب اضطرابا قانونيا واجتماعيا”.
وشدد صدقي على أن المادة المذكورة، ستشكل “انتهاك حقوق الأطراف، في الحصول على محاكمة عادلة ونهائية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الأمان القانوني الذي يضمن للأطراف أن الحكم النهائي هو نهاية للنزاع القضائي”.
وفي “خطيئة هي الأشد للمادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية” يشير صدقي “خرقها للدستور، من خلال خرق هذه المادة للفصل 126 من الدستور المغربي والتي تؤكد على أن الأحكام النهائية يجب أن تحظى بقوة الشيء المقضي به، وهو مبدأ أساسي لضمان استقرار الأحكام وثقة الأفراد في النظام القضائي. الطعن المستمر من قبل النيابة العامة يتعارض بشكل مباشر مع هذا المبدأ، ويعتبر انتهاكاً للدستور المغربي ويضعف من مصداقية واستقلالية القضاء”.
كما أشار إلى تأثيل المادة 17 سلبيا على الاستثمارات، إذ أكد صدقي أن “المستثمرون يفضلون بيئة قانونية مستقرة وموثوقة وآمنة، واعتماد مقتضى المادة 17 من شأنه أن يؤدي إلى عدم استقرار الأحكام القضائية ويؤثر سلبا على جاذبية الاستثمار في المغرب”، كما من شأنه إطالة النزاعات القضائية، لأن “الطعون المستمرة قد تؤدي إلى إطالة فترة النزاعات القضائية، مما يزيد من التكاليف والأعباء على الأطراف المتنازعة” يؤكد المحامي محمد صدقي.
وفي الخطيئة العاشرة، بحسب المحامي، فإن تمرير المادة 17 من مشروع قانون المسطرة المدنية، هو تشكيل “ضغط إضافي على النظام القضائي، وذلك بزيادة عدد الطعون التي يمكن أن يضع ضغطا إضافيا على المحاكم والقضاة، مما يؤدي إلى تأخير الفصل في القضايا”.
وخلص المحامي بهيئة الدار البيضاء، في تصريحه، إلى تأكيده على إمكانية وجود “حالات استثنائية تبرر الطعن من قبل النيابة العامة بعد صدور الأحكام النهائية، إلا أن السماح بذلك بشكل عام ودون تقيد بآجال الطعن يمكن أن يكون له آثار سلبية كبيرة على الأمن القضائي واستقرار الأحكام القضائية”، مسجلا في المقابل أهمية “الحفاظ على مبدأ قوة الشيء المقضي به لأنه أمر أساسي لضمان الثقة في النظام القضائي وتحقيق العدالة بشكل فعّال ومستقر”.