المخابز بين أزمات السطو والتفرد والحلول المطلوبة من خلال تجربة مناضل مهني

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

المغرب – يواجه قطاع المخابز مجموعة من التحديات الكبيرة التي تؤثر على أدائه واستقراره. نتيجة التسيب الذي يعيش تحت وطأته القطاع. مع هيمنة منطق التسلط والإقصاء ومصادرة كافة الحقوق ذات الصلة بالتعبير عن الرأي واحترام الاختلاف والديمقراطية الداخلية باعتبارها صمام أمان عمل المنتسبين بما يجود الفعل ويدفع في اتجاه حل مختلف القضايا ذات الصلة بقضاياهم ومشاكلهم.

واقع اقتضى أمام الأزمات المتعددة التي يشهدها هذا القطاع والتي تعيق تقدمه. مع سيطرة جامعة المخابز منذ سنوات على القطاع، مما جعلها الطرف الوحيد في هذا المجال حتى عام 2016، ومن ثم ظهرت معارضة من مجموعة من المهنيين في صورة فدرالية المخابز. وقد مثل نضال السيد “الادريسي توبالي سيدي علال” من الاقاليم الجنوبية، وتحديدا من مدينة “بوجدور”. صورة لمهني ناضل من أجل ترسيخ القيم المثلى داخل التنظيم على الرغم أن التحاقة بالجامعة لم يكن إلا عام 2022 ليشكل مع رفاق آخرين نبراس نور ضياء في واقع تدبيري مظلم تصدوا لعثمته ليخطوا مسارا تصحيحيا أسس لميلاد بديل مرتبط بمعاناة المهنيين.

قطاع المخابز في المغرب: غياب التدبير التشاركي وسيطرة منطق الإقصاء والتفرد
الادريسي توبالي سيدي علال

المخابز قطاع بلا جوهر ولا روح

يعاني قطاع المخابز في المغرب من سلسلة من المشاكل الهيكلية التي تعيق تطوره. من جهة سيادة منطق الإقصاء والانفرادية في التدبير مع تحويل الجامعة إلى ملكية خاصة على حساب أبناء القطاع ومنتسبيه. فغياب التدبير التشاركي هو أحد أعمق اوجه المشاكل الرئيسية التي يتغذى من آلامها القطاع. وهو ما يزيد في تعميق أزماته. حيث يستحوذ فرد واحد داخل جامعة المخابز على كل القرارات ويحولها لخدمة براغماتية نفعية وصولية على حساب مشاكل القطاع ومنتسبيه. وبالتالي فإن هاته المسلكيات تحجب أي فرصة للمنافسة أو التعبير عن الآراء، وهو ما يؤثر سلبًا على المهنيين وأصحاب المخابز.

فإذا وقفنا حول أهمية قطاع المخابز باعتباره من الحساسيات المهمة في الاقتصاد المغربي، إلا أنه يواجه تحديات خطيرة منذ فترة طويلة. حيث يغلب على هذا القطاع منطق الإقصاء، نتيجة نهج تدبيري مستحوذ على القرار داخل الجامعة ومسيطر على كافة أذرعها. بما يقوي سيطرة ذلك الفرد المتحكم قي قراراتها والموجه لها نحو خدمة مصالح ضيقة على حساب عموم المهنيين. مع ممارسة سياسة الخنق وقتل أي مساحة لتبادل الرأي المفتوح أو المشاركة الفعالة من قبل المهنيين. هذا الوضع سيؤدي بطبيعة الحال لتهميش وإقصاء عدد كبير من أصحاب المخابز، الذين يجدون أنفسهم بلا صوت في مواجهة هذا التسلط المتبع.

والأدهى من ذلك أن ذلك الفرد المتحكم في قرارات الجامعة قتل كل شكل حياة ديمقراطي، قاصما بذلك ظهر كل تدبير تشاركي. وهو الذي يمثل أحد أسس التنمية المستدامة. حيث يتم اتخاذ القرارات المصيرية من قبل شخص واحد فقط في الجامعة. وهو الأمر الذي يخلق بيئة غير مستقرة ويُعمق بالتالي الأزمات. وهي الصور التي عاش تحت وطأتها المهنيون والذين عبر غالبيتهم عن مخاوفهم بشأن مستقبلهم في ظل هذا الوضع، حيث لا يتمكنون من الحصول على الدعم أو الإرشاد اللازمين.

الحركة التصحيحية داخل جامعة المخابز عام 2016: خطوة نحو اجتثاث التسلط والفساد

نتيجة هاته الاوضاع المتسمة بالفساد التدبيري والتسلط الممارس من طرف شخص واحد على  في تدبير الجامعة. وبعد أن طفح الكيل على اعتبار أن الجامعة كانت هي الإطار التمثيلي الوحيد القائم. فقد كان لا بد من ان ينتفض المهنيون ويصححوا هذا المسار الأسود في تاريخ التنظيم. وهو ما حصل بالفعل عام 2016. حيث برزت الحركة التصحيحية داخل جامعة المخابز كأداة رئيسية لمكافحة الفساد والتسلط الذي كان يؤثر على إدارة القطاع. وقد  جاءت هذه الحركة استجابة لاحتياجات المهنيين الراغبين في إصلاح المنظومة وتطبيق مبادئ الشفافية والديمقراطية داخل الجامعة، وهو ما يساعد على تشكيل مستقبل أكثر استدامة.

حركة قامت لاجتثاث ما أنبته توجه الجامعة التدبيري من انحراف عبر مسار طويل من الفعل التفردي. فوفق القانون المنظم فقد كان من الواجب الاهتمام بتنظيم القطاع وتحقيق التكامل بين المهنيين. وفق ما ينص عليه قانونها التنظيمي. إلا أن التحديات العديدة التي ظهرت على مدار السنوات أدت إلى تفشي الفساد والتسلط بين قياداتها. لتنطلق عام 2016، حركة تصحيحية كتعبير عن الرفض والبناء المستقبلي في آن واحد. ولتكون بمثابة صرخة في وجه هذه الممارسات التسلطية وغير الشفافة، حيث قام مجموعة من المهنيين بتنظيم أنفسهم لدعم الإصلاحات المطلوبة.

وقد عملت هاته الحركة على اجتثاث الفساد عبر تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة. كما سعت لتوسيع رقعة المشاركة الفعالة للمهنيين في اتخاذ القرارات الهامة. لقد كانت التحديات جسيمة، لكن الطموح لخلق بيئة تشجع على التعاون وفرت الدافع للتحرك نحو الإصلاح.

لقد أرست تلك الحركة التصحيحية التي اجتمع الرافضون داخلها في إطار فدرالي على تسييد مبادئ الشفافية، إضافة لتفعيل آليات تسمح للمهنيين بالمشاركة في اتخاذ القرارات ومراقبة الأداء. فضلا عن تفعيل آليات المساءلة من خلال التأكيد على أهمية المحاسبة باعتبارها سلوكا ديمقراطيا بان للمستقبل. مع تعزيز المشاركة ودعوة المهنيين للانخراط في العملية الانتخابية واستنباط أفكار جديدة لتحسين القطاع.

وبذلك تكون تلك الحركة التصحيحية قد شكلت نقطة تحول هامة في مسار جامعة المخابز في المغرب. إذ ساعدت في التصدي للتحديات التي واجهت القطاع. لتظل تلك الجهود رمزًا لأهمية الشفافية والمشاركة الفعالة في إدارة المنظومات، مما يسهم في بناء مستقبل أفضل لهذا القطاع الحساس. من خلال تعزيز التدبير التشاركي. وفتح منصات للحوار بين المهنيين والجهات المسؤولة. والقيام بمراجعة شاملة لأساليب العمل المتبعة وتفعيل دور المهنيين. إضافة لوضع استراتيجيات دعم فعالة تروم تطوير برامج تدريبية وتحفيزية من شأنها تشجيع الابتكار والنمو في القطاع.

فالواقع يفرض من المهنيين الوعي بصعوبة المرحلة وبالوحدة كخيار استراتيجي دفاعا عن الحقوق المشروعة للمهنيين. وأيضا محاربة كل أشكال التسلط والفوضى والنفعية المقيتة التي عششت وتعشش لفترة طويلة داخل القطاع. وذلك لضمان مستقبل أكثر استدامة وتمكينًا للمهنيين. وتجاوز منطق التفرد الذي ساد المرحلة لفترة عمرت طويلا نتيجة سيطرة جامعة المخابز بشكل شبه كامل. وهو الأمر أدى لظهور حركة تصحيحية توحدت ضمن فدرالية المخابز كتيار بديل. وذلك في ظل تزايد المشاكل نتيجة للسيطرة الأحادية وغياب الشفافية. وهو ما دفع العديد من المهنيين للتعبير عن مخاوفهم من التهديدات والطرد.

قطاع المخابز في المغرب: غياب التدبير التشاركي وسيطرة منطق الإقصاء والتفرد
الادريسي توبالي سيدي علال

نضال من أجل اجتثاث الفوضى والتفرد والعشوائية القاتلة لانطلاقة القطاع

فوفق ما قدمه السيد “الادريسي توبالي سيدي علال” فإن القطاع عاش ويعيش على وقع فوضى عارمة وتفرد قاتل حامل لكروباج الطرد والتهميش لكل الأصوات المعارضة والمخالفة. وهو ما اكتوى بناره هو الآخر على الرغم من تضحياته الكبيرة من أجل غد جميل للقطاع. فالعديد من المهنيين مهددون بالنبذ إن هم عارضوا قرارات الجامعة.

وفي هذا الباب، قال السيد “توبالي”: “شخصيا عانيت من الطرد بسبب تقديمي لآراء تتناقض مع توجهات السيطرة الحالية”. وهو وضع يعكس واقع الفساد المتسم باحتكار المعلومات والقرار وتهميش كافة الآراء المعارضة مع غياب الشفافية والوضوح. حيث يُستخدم مصطلح “تدبير المرحلة” كأداة لممارسة الإقصاء وتبرير إحلال أشخاص جدد محل آخرين بشكل مستمر دون أي حوار أو نقاش.

قال السيد “توبالي”: “على الرغم من انضمامي للجامعة منذ عام 2013، إلا أن النقاشات ليست إلا حديثاً فارغاً يفتقر إلى الفعالية”. وهو ما جعل من الإطار هكلا عظميا بلا روح ولا هوية. فكان لا بد من غحداث رجات تصحيحية تقطع مع الفساد والواقع الفاسد وتبني غدا مشرقا للقطاع وأبنائه.

ضعف الجامعة يجعلها تتشبث بالوهم لضمان استدامة السيطرة

كما قال رئيس فدرالية المطاحن في حديث مع جريدة “العدالة اليوم” ردا على سؤال حول إدراج اسم الفدرالية من قبل جامعة المخابز في الاختلالات التي يعيشها القطاع. حيث صرح بأن الفدرالية لا علاقة لها بما يجري بقطاع المخابز.

وفي هذا الشأن، قال السيد “توبالي” إن العلاقة بين المطاحن والمخابز هي علاقة استراتيجية هيكلية. لارتباط الطحين بالمخابز. وهو ما ينقل إلى الواجهة ضرورة إيجاد حلول واقعية لمشاكل القطاع. وهو ما يقتضي عقد جمع عام وطني شامل وحقيقي يضم كافة المعنيين من جميع ربوع المملكة. وتمكينهم بالتالي من تنظيم فعال ومنفتح للمشاركة في تطوير استراتيجيات العمل. مع توفير قوانين تنظيمية صارمة ووضع تشريعات واضحة لتنظيم العمل في هذا القطاع، وضمان التنافسية. إضافة لإطلاق برامج إنقاذ ووضع خطط إبداعية تهدف إلى معالجة الأزمات الراهنة وتجاوز حالة العشوائية التي يعيشها القطاع.

إن الواقع المعاش يقتضي تظافر جهود المهنيين في قطاع المخابز لمواجهة التحديات القائمة. والتي تستدعي بالتالي تحقيق الوحدة لبناء قطاع قوي ومنظم، خصوصاً في ظل الاستحقاقات المهمة ككأسي أفريقيا والعالم.  وتجاوز كل أشكال التعطيل والتفرد والديكتاتورية الممارسة بسم خدمة الصالح العام والدفاع عن الحقوق. فيما يبرز الواقع أن هاته الفئة تهضم الحقوق باسم الدفاع عنها. كما أنها تقتل الاختلاف باسم الدفاع عن الحق في التعبير.

واقع وصفه السيد “توبالي” بصدق حيث قال: التحقت بالجامعة منذ عام 2022 وما وجدته هو نقاش فارغ وترهات لا تمت بصلة لهموم الناس من أبناء القطاع.  على الرغم من أدائي لتذكرة الطائرة من جيبي لحضور جمع او اجتماع.

ما وقع كان مفتعلا. فإصدار قرار الطرد في حقي غير شرعي. وهو يعكس ما يعرفه الواقع التنظيمي من تسيب وديكتاتورية وتفرد في اتخاذ القرارات من خارج القانون. بل ان مروجي القرار أدرجوا اسم جامعة المطاحن على الرغم من نفي رئيس فدرالية المطاحن وجود أي صلة بالموضوع.

فالمطلوب تنظيم جمع عام وطني حقيقي بمشاركة الجميع وإطلاق تسيير فعال ديمقراطي لا يقصي أحدا ولا يستغل المنصب للتفرد بالقرارات أو الاغتناء على حساب الآلام مع وضع برنامج لإنقاذ القطاع مما هو عليه. إضافة لوضع قانون شفاف ديمقراطي منظم للقطاع ومعبر عن المهنيين ومكافح عن مطامحهم وعاكس لطموحاتهم. متجاوزا بالتالي للعشوائية والتدبير الفوضوي الفرداني السائد.

وقائع وأحداث صادمة تعكس عمق الازمة التي يعيشها القطاع والأشكال التدبيرية التسلطية التي يدار بها. وهو ما يستوجب من السلطات ذات الصلة فتح تحقيق في الموضوع. ومن مهنيي القطاع الوعي بجوهر الأزمة القائمة وقطع ذيول كافة الأفاعي التي تشكل العطالة الفعلية للمهنة والمهنيين. وبالتالي أخذ زمام المبادرة في التعبير عن مطامحهم والدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية بعيدا عن صكوك الغفران القائمة في الوقت الراهن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.