يبدو أن حلم الربط القاري بين أفريقيا وأوروبا عبر نفق بحري أصبح قريب التحقق، بعدما راوح الحديث عنه الأمكنة لمدة طويلة.
وكان هذا المشروع الضخم قد حظي بالموافقة، حيث بدأت الدراسات الهندسية التقنية النهائية للمشروع صيف 2025. مع توفير السيولة المالية لإنجازه أوروبيا عبر “آلية الإنعاش والمرونة”. في إطار دينامية التعاون القائمة والمتجددة بين “المغرب” و”إسبانيا”.
تجدر الإشارة إلى أن الشركة الإسبانية العمومية “سيسيجسا Secegsa” تشرف على إنجاز هذا المشروع الضخم. حيث من المتوقع ان يمتد النفق على مسافة 28 كيلومترا تحت مياه “مضيق جبل طارق”. ليصل طوله الإجمالي إلى حوالي 60 كيلومترا. وهو ما يجعله من بين أطول الأنفاق البحرية في العالم. إلى جانب “نفق المانش”، الرابط بين “فرنسا” و”بريطانيا”.
كما تجدر الإشارة إلى أن اختيار هذا المسار لم يكن اعتباطيا بل مؤسسا على دراسة. إذ سيعبر النفق عبر عتبة “كامارينال”، حيث لا يتجاوز عمق المياه 300 مترا. متجنبا بذلك المناطق الأكثر وعورة وعمقا.
وعلى الرغم من الجهد الهندسي الكبير، إلا انه لا يمكن النظر للربط من هاته النظرة، بل من زاوية أهميته الاستراتيجية الحيوية. على اعتبار أنه سيعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية واللوجستية بين القارتين. وهو ما سيخلق مجالات كبرى للاقتصاد الأوروبي والأفريقي. إذ سيمكن من ربط القارتين عبر شبكات للسكك الحديدية. وهو ما سيسرع من حركة تنقل الأشخاص والبضائع. وبالتالي خفض تكاليف النقل. الأمر الذي سيعزز موقع “المغرب” كمركز لوجستي عالمي وبوابة اقتصادية نحو أفريقيا وأوروبا وباقي العالم.
وعلى الرغم من هذا التفاؤل القوي إلا أن المشروع لا زالت تعترضه عوائق تقنية وتمويلية مالية ومؤسساتية. حيث تقدر التكلفة الإجمالية للمشروع ما بين 15 و30 مليار يورو. وهي تكلفة ضخمة تتطلب مساهمة وتعاونا دوليا لتحويل هذا الحلم إلى واقع ميداني. فضلا عن إيجاد انجع الدراسات الهندسية لمواجهة الأنشطة التكتونية الزلزالية النشيطة في المنطقة. وأيضا لمواجهة التيارات البحرية القوية التي تضرب “مضيق جبل طارق”. فضلا عن إيجاد آلية توافقية قانونية ومؤسساتية بين “المغرب” و”إسبانيا” ذات صلة بالمعايير الفنية والتشريعات المتعلقة بالبنية التحتية والنقل والأمن بين الجانبين.
ومن المرتقب أن تنطلق الدراسات الجيوـتقنية والزلزالية التفصيلية للمشروع خلال شهر سبتمبر من العام الحالي. فيما ستمتد أعمال التشييد الفعلية لما يقارب 15 عاما. إذ من المتوقع ان تنتهي الأشعال به مع حلول عام 2040.
فالمشروع ضخم ويحمل آثارا إيجابية ليس للمغرب وإسبانيا فحسب بل للاقتصاد العالمي وحركة الأفراد. وهو ما يفرض توفر إرادة سياسية ورؤية اقتصادية طموحة لإنجازه. وتعاونا فعالا بما يخدم الاهداف الكبرى التي من المنتظر ان يحققها هذا الحلم الهندسي والجيوسياسي خلال القرن الحادي والعشرين.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الحلم الافرو أوروبي يرجع بالذاكرة إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما أنشأت الحكومتان الإسبانية والمغربية “لجنة الدراسات المشتركة لمضيق جبل طارق، SECEGSA” من الجانب الإسباني. و”شركة SNED” من الجانب المغربي.
وقد عملت تحديات تقنية وسياسية على تأخير إنجاز المشروع لعقود. لكن التعاون المتجدد بين “الرباط” و”مدريد” خلال السنوات الأخيرة أعطى دفعة قوية لإنجازه.
وسيبلغ الطول الإجمالي للمشروع حوالي 60 كيلومترا، ضمنها الأجزاء البرية. كما أن طوله تحت البحر سيصل لحوالي 28 كيلومترا. أما أعماق المضيق في مسار النفق فتبلغ حوالي 300 متر عند عتبة “كامارينال”.
الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للربط القاري بين المغرب وإسبانيا
سيمكن المشروع من ربط الشبكات القارية. إذ سمكن من ربط شبكات السكك الحديدية الإفريقية بالأوروبية، وذلك ضمن مشروع الخطوط السككية عالية السرعة. كما سيعزز من حجم التجارة القارية والعالمية. وهو ما سيساهم في خفض تكاليف نقل البضائع بين القارتين بنسبة قد تصل إلى 40%. كما سيمكن المغرب من أن يصبح مركزا لوجستيا عالميا. وهو ما سيدعم مشروع “الميناء الأطلسي الدار البيضاء”. فضلا عن مساهمته في تسهيل وتنمية السياحة والتبادل البشري. إذ سيمكن من نقل حوالي 5 ملايين مسافر سنويا مع حلول 2050.
الإطار القانوني للمشروع
يدخل المشروع ضمن اتفاقية الربط الثابت (2003). وتحديدا المادة 2 من اتفاقية “الأمم المتحدة” ل”قانون البحار (UNCLOS)”. المنظمة للمشاريع في الممرات المائية الدولية. كما سيتم تمويله من قبل “الاتحاد الأوروبي” عبر آلية “Connect Europe Facility” و”برنامج InvestEU”.
ويرى “بيدرو سانشيز”، رئيس الحكومة الإسبانية: أن “هذا المشروع هو أكثر من مجرد بنية تحتية. هو جسر للثقافات والاقتصادات”. فيما ترى خبيرة في الاقتصاد الجيوسياسي: أن “الربط الثابت سيعيد تعريف علاقات القوة الاقتصادية في حوض المتوسط”. كما وصفه “الاتحاد الأوروبي” بأنه “أولوية استراتيجية في أجندة 2030 للربط بين أوروبا وإفريقيا”.
وفي الشأن ذاته قال جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله: إننا لا ننتمي لأفريقيا جغرافيا فقط . بل هي مستقبلنا المشترك.
وتبعا للبرنامج المعد لإنجاز المشروع. فإن الدراسات الجيوتقنية والزلزالية ستنطلق عام 2025. فيما ستبدأ أشغال الحفر ما بين عامي 2028-2030. لتنتهي المرحلة الأولى من الأعمال تحت البحر عام 2035. ليتم الافتتاح الرسمي للمشروع عام 2040.
فمشروع الربط الثابت عبر “مضيق جبل طارق” هو تجسيد لرؤية استباقية ترفع التحديات الجيوسياسية والتقنية لتصنع واقعاً جديدا. يجعل من المنطقة قطبا عالميا للتبادل والحوار الحضاري.