كشف المكتب المحلي “للجامعة الوطنية للمخابز والحلويات” ب”بوجدور” عن أزمة هيكلية تهدّد مستقبل قطاع المخابز التقليدية في المغرب. مطالبا وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات تعليق المصادقة على البرنامج التعاقدي المرتقب إصداره ذا الصلة بقطاع المخابز. معتبرا أن التحضير له جاء دون إشراك المهنيين الحقيقيين. وقائما على بيانات غير دقيقة ومخرجات دراسات لا تعكس واقع مجمل الأقاليم، مما يهدد شرعية البرنامج وفعاليته.
جاء ذلك عبر مراسلة وجهها المكتب المحلي للجامعة، للوزارة بتاريخ 24 شتنبر 2025، تتوفر جريدة “العدالة اليوم” على نسخة منها. حملت من خلالها الوزارة مسؤولية التدهور الذي يعانيه القطاع. ناقلة استياءها العميق من هيمنة جهة “الدار البيضاء” على القرارات. ومن خروج مخرجات الدراسة الفلاحية دون تمثيل حقيقي للمهنيين. كاشفة عن ممارسات خطيرة تشمل “انتخابات صورية” وغياب الشفافية المالية وتحويل الجامعة إلى “هيكل وهمي” يخدم مصالح ضيقة.
وأوضحت المراسلة إلى أنه وعلى الرغم من أن عدد المخابز يفوق الآلاف. إلا أن عدد المشاركين في الانتخابات الأخيرة لمكتب الجامعة لم يتعد حدود يد الأصابع. واصفين الأمر ب “المهزلة الانتخابات الصورية”. مطالبة بهيكلة قانونية تحترم المعايير القانونية. من خلال تنظيم انتخابي نزيه مع وضوح المهام واحترام المدد القانونية للانتداب. مع تعزيز الشفافية والمحاسبة والديمقراطية التشاركية.
تجدر الإشارة إلى ان “الجامعة الوطنية للمخابز والحلويات” إطار تمثيلي لمهنيي قطاع المخابز تحت إشراف وزارة الفلاحة. ومن المفترض أن تلعب دورا محوريا في تفعيل برامج الدعم مثل “مخطط المغرب الأخضر” و”الجيل الأخضر”.
وكانت وزارة الفلاحة قد أعدت منذ 10 سنوات ورقة لإصلاح الجامعة. أبرزت ضرورة إصلاح الأطر التشريعية والتكوينية والتحسيسية داخل هياكلها.
واقع الجامعة من النص إلى التأزيم
أكدت المراسلة على أن الجامعة تعاني من مجموعة من الاختلالات أبرزها غياب الشفافية والديمقراطية التمثيلية. فواقع حال التنظيم يكشف عن ممارسات لا تمت بصلة لروح الدستور والقوانين التنظيمية ذات الصلة، من جهة وجود انتخابات غير تمثيلية صورية لا تتعدى 50 فردا على الرغم من وجود آلاف المخابز وهو ما يمثل وضعا خطيرا يضرب في العمق أساس وجودها ويقصي الآلاف من المهنيين من ممارسة حقهم في التنظيم وتقديم رؤيتهم لإصلاح القطاع. ضدا على منطوق “القانون المنظم للمهنة رقم 18-12″ الذي يشترط تمثيلا حقيقيا للمهنيين.
كما أن القطاع يعيش في خضم غياب الحكامة، من جهة انعدام الاستقلال المالي وتحويل الأنشطة إلى “حفلات ومهرجانات” ترويجية ليس إلا. حيث أن نسبة المشاركة في هاته الأنشطة لا تتجاوز 1% من المخابز المسجلة رسميا. وهو ما يعكس انفصالها عن الواقع الفعلي حيث أن غالبية المهنيين لا يعرفون حتى بوجود الجامعة. وهو ما يعكس حالة من التسيب والفوضى التي يعيش تحت وقعها التنظيم. حيث أصبحت “الجامعة” أداة لإضفاء الشرعية على قرارات مفروضة من جهات غير ممثلة. مع غياب التمثيلية الحقيقية للمهنيين وهو ما يُضعف فعالية أي برنامج دعم حكومي. في حين أن أي إصلاح ممكن داخل القطاع الفلاحي يمر عبر إشراف حقيقي ومشاركة فعلية للمهنيين في صناعة القرار.
تجدر الإشارة أيضا أن “القانون الإطار رقم 18-12″، ينص على وجوب تمثيل المهنيين في هياكل التنظيمات. فيما يحدد “المرسوم رقم 2.14.349″ شروط الانتخابات المهنية النزيهة. وهو الأمر الذي دفع “المجلس الاقتصادي والاجتماعي” في تقرير أصدره عام 2022، إلى الدعوة لإجراء “مراجعة شاملة لهياكل التمثيل المهني”.
وقد كشفت المراسلة بعمق عن إشكال عميق وخطير يتجاوز الخلافات الإدارية ليصل إلى جوهر إستراتيجية تطوير القطاع الفلاحي. مبرزة أن التحدي القائم يتطلب تدخلا عاجلا لضمان أن تكون برامج الدعم الحكومي قائمة على تمثيل حقيقي للمهنيين، خاصة في ظل الأهمية الاجتماعية للخبز كسلعة إستراتيجية في المغرب.
وهكذا فالواقع القائم يعكس توترا متزايدا داخل قطاع المخابز والحلويات بالمغرب يقتضي نوعا من العقلانية في التعاطي مع مشاكل القطاع ونوعا من الشفافية والحكامة في التدبير وتفعيل الديمقراطية التشاركية كإطار مرجعي دستوري. وهو الأمر الذي يفرض كخطوة أولى تعليق المصادقة على البرنامج التعاقدي الجديد المزمع توقيعه في إطار مخطط “الجيل الأخضر”. لتغييبه رأي المهنيين ومشاركتهم في إعداده وصياغة منطوقه وتهميش المهنيين الحقيقيين من المساهمة في صياغته، لا سيما في الأقاليم الشرقية والجنوبية، واحتكار “جهة الدار البيضاء” لصنع القرار داخل الجامعة الوطنية. وهو ما يضرب في العمق كل القواعد ذات الصلة بالديمقراطية والتشاركية والحكامة الجيدة والشفافية والتمثيلية لكافة المناطق والجهات ليصبح إطارا مرجعيا للمغاربة وليس إطارا فئويا جهويا يخدم مصالح براغماتية ليس إلا.
تجدر الإشارة إلى أن البرنامج التعاقدي الجديد يعتبر جزءا من استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030″، التي أطلقتها الحكومة المغربية كبديل عن “مخطط المغرب الأخضر”. والذي يهدف إلى تأهيل سلاسل الإنتاج الفلاحي والغذائي وتعزيز الإنتاجية والمردودية. إضافة لضمان الأمن الغذائي وتنظيم القطاعات ذات الطابع التقليدي والعصري، ومنها المخابز.
واقع نقل حالة من القلق لدى المهنيين خاصة بهاته المناطق المهمشة من تحول البرنامج المحضر له دون تشاور فعلي والمكتفي بدراسات “منفصلة عن الواقع” عن المسار المخطط له.
الجامعة هيكل بلا روح ولا تمثيلية فعلية
يعيش قطاع المخابز والحلويات تحت وطأة غياب انتخابات شرعية، حيث أن آخر انتخابات للمكتب المركزي لم يتجاوز عدد المشاركين فيه سوى أقل من 50 مخبزة، بينما يتجاوز عدد المخابز بالمغرب 14.000، وفق إحصائيات غير رسمية. فضلا عما تم تسجيله من خرق للقوانين الأساسية للجمعيات. حيث يتم تنظيم انتخابات صورية لا تحترم مدد الانتداب مع تسجيل تغييب للتقارير الأدبية والمالية. فلا يمكن الحديث بالمطلق عن إطار فعلي إذا لم تفتح الجامعة أبوابها لكل المهنيين، وإذا لم يخضع تدبيرها لحكامة ديمقراطية شفافة.
المهنيون الواعون بأهمية القطاع أكدوا أنهم لا يرفضون تأهيل القطاع، بل يطالبون بأن يكون مفتوحا لمشاركة الجميع . لا إطار فوقيا مشلولا. كما ينظرون إلى أن البرنامج المعد في صيغته الحالية سيتحول إلى عبئ جديد بدل أن يكون حلا.
يشار إلى أن “ألقانون رقم 75.00” المتعلق بتأسيس الجمعيات، يشترط عقد جموع عامة منتظمة ونشر التقارير المالية والأدبية. إضافة لفتح باب الترشح والانتخاب لجميع الأعضاء مع الالتزام بالمدة الزمنية القانونية للمكاتب المنتدبة. وفي حالة عدم احترام هاته الضوابط، تفقد الجمعية صفتها التمثيلية، مما يعرض كل الاتفاقيات الموقعة باسمها إلى الطعن القانوني. فالعدالة لا تقوم فقط في المحاكم، بل في المؤسسات التي تحترم إرادة من تمثلهم.
واقع يفرض فتح تحقيق وطني في مدى شرعية انتخابات الجامعة الوطنية. وتجميد “البرنامج التعاقدي” مؤقتا حتى تسوية التمثيلية المهنية. مع إدراج المهنيين بمختلف الأقاليم في مشاورات مباشرة ونشر المعطيات الرسمية حول البرنامج التعاقدي للعموم. فضلا عن فتح نقاش عمومي وإعلامي حول مستقبل قطاع المخابز، يشمل كل المتدخلين.
ومن هذا المنطلق يرى المهنيون أن الجامعة فقدت دورها كممثل فعال لقطاع المخابز، وأن ممارساتها تُبرز غياب التمثيلية والصدى الحقيقي للمناطق التي تعاني الهامشية. ضدا على التوجهات الرسمية المؤكدة على أن المخططات الكبرى، مثل “المغرب الأخضر” و”الجيل الأخضر” تهدف لتحقيق تنمية شاملة. فيما يرى البعض أن النصوص القانونية المعمول بها تؤمن ضمانات دستورية وقانونية للممارسة المهنية والجمعوية، لكن التنفيذ والآليات الرقابية ما زالا دون المأمول. خصوصا في الشق المتصل بالشفافية، مشاركة المهنيين وإشراكهم في القرارات التي تمس مصالحهم.
فالسلم الاجتماعي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تقوية دور المواطن بشكل فعلي، خصوصا المهني الذي يرفض أن يكون لعبة بالمقر الإداري. وهو ما عبرت عنه المراسلة التي عكست واقعا من العفونة التنظيمية من جهة أن ما يسمى بالانتخاب مُخالف لقانون الجمعيات، الذي ينص على أن الانتخابات يجب أن يجريها المهنيون المنخرطون، ويجب أن تكون شفافة وتعلن كل مراحلها. وتجاوز منطق الإقصاء لأن البرنامج التعاقدي والمخططات الكبيرة من المفترض أن تُطبق على المستوى الوطني. الأمر الذي يمس بمبدأ “المسؤولية والمساواة أمام القانون” والعدالة المجالية، كمفاهيم مكرسة في الدستور وفي مبدأ الحماية القانونية للجميع.