في تحول استراتيجي هادف لكتابة تجول المغرب بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانت المملكة، كمركز إقليمي لصناعة الألعاب الإلكترونية (الجيمنج). كقطاع يدر مليارات الدولارات.
ما كان يتم النظر إليه، سابقا، على أنه مجرد “هواية”، تحول اليوم لاحترافية وركيزة لتحقيق النمو الاقتصادي الواعد لبلادنا.
كل ذلك بفضل الرؤية الملكية السامية والطموحة الهادفة لتحقيق 30 مليار درهما، أي حوالي 3 مليارات دولار أمريكي. من هذه الصناعة.
ولعل التحدي الأكبر يكمن في تغيير النظرة المجتمعية “للجيمنج”. فالأكثرية لا زالت تخلط ما بين الاستهلاك للألعاب وبين الصناعة المعقدة التي تقف وراءها.
إلا أن المغرب يدرك جيدا الإمكانات الهائلة لهذا القطاع في رسم السياسات الاقتصادية المستقبلية لبلادنا. وهو ما وعته المملكة وأبرزته عبر توقيع اتفاقية مع “فرنسا”.
خطوة تعكس أهمية التعاون الدولي في بناء القدرات وتطوير البنية التحتية اللازمة لازدهار هذه الصناعة. في تحول نحو تصنيعها وتطويرها. والمساهمة بالتالي بفاعلية في سوق عالمي يتسم بالديناميكية والنمو المتسارع.
هذا الرهان هو جزء من استراتيجية أوسع لتنويع الاقتصاد المغربي وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية. كما أن الاستثمار في التكنولوجيا والصناعات الرقمية يمثل بوابة المغرب نحو مستقبل اقتصادي أكثر استدامة وابتكارا. والمطلوب فقط هو تأهيل الكفاءات اللازمة في البرمجة، التصميم، الرسوم المتحركة وإدارة المشاريع. مع توفير بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين، عبر حوافز ضريبية وتسهيلات إدارية.
تجدر الإشارة إلى أن صناعة الألعاب الإلكترونية هي واحدة من أسرع القطاعات نموا في العالم، متجاوزة عوائد صناعات السينما والموسيقى مجتمعة في بعض الأسواق.
بالنسبة للمغرب، تمثل هذه الصناعة بوابة مثالية لتنويع الاقتصاد. وذلك من خلال تقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية مثل الزراعة والسياحة. إضافة لاستغلال رأس المال البشري، عبر توظيف أكثر من 60% من الطاقات التي تقل أعمارها عن 25 عاما كجيل رقمي بامتياز. مع الاستفادة من البنية التحتية ذات الصلة بقطاع الخدمات الخارجية (Offshoring) والاتصالات. فضلا عن الموقع الاستراتيجي للمغرب كجسر بين أوروبا وإفريقيا.
الاتفاقية المغربية-الفرنسية منطلق للسمو
لا يمكن النظر إلى هاته الاتفاقية كمجرد بيان حسن نوايا بل كبوابة لجذب الاستثمارات الفرنسية والعالمية. وأيضا لبناء شراكات في مجال التدريب وتبادل الخبرات.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب يعمل على تطوير إطار تشريعي جاذب، مستفيدا من تجربته في “المغرب ديجيتال (Casablanca Shore)” ومنظومة الحوافز الخاصة بالاستثمار بموجب “قانون الاستثمار الجديد رقم 03-20)”. الذي يوفر مزايا ضريبية وإجرائية للمستثمرين.
توجه يتماشى مع “رؤية المغرب 2020-2030” الرامية لتعزيز اقتصاد المعرفة والصناعات الرقمية كجزء من استراتيجية “جيل غرين 2020-2030” الهادفة لتطوير النظم الإيكولوجية للاقتصاد الرقمي.
خطوة تدخل ضمن دعم الشركات الناشئة في القطاع التكنولوجي والرقمي وتنزيل الاستراتيجية الوطنية للرقمنة، الهادفة لتعميم استخدام التكنولوجيا في جميع القطاعات. وهو ما يعكسه “إعلان مراكش للاقتصاد الرقمي 2022″. الذي شدد على ضرورة تطوير تعزيز المهارات الرقمية للشباب الإفريقي. وهو ما يتقاطع مع أهداف “صناعة الجيمنج”.
فاقتصادات المستقبل هي اقتصادات المعرفة والرقمنة. وعلى الشباب أن يكونوا فاعلين في هذه الثورة، لا مجرد متفرجين. واستثمار صناعة الألعاب كواحدة من أكثر الصناعات الثقافية ديناميكية في عصرنا. وذلك لجمعها بين الفن والتكنولوجيا والابتكار.
التطوير صراع الطموح والتحديات
على الرغم من الإرادة السياسية القوية، يواجه المغرب تحديات جسام. ضمنها المنافسة الشرسة من قبل دول راسخة في المجال مثل “كندا”، “اليابان”، “الولايات المتحدة” ودول أوروبية. فضلا عن فجوة المهارات، وهو ما يقتضي الحاجة لتطوير مناهج تعليمية متخصصة في البرمجة وتصميم الألعاب والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي. مع ضرورة ضخ استثمارات كبيرة لمواكبة التسارع التكنولوجي.
الرهان على صناعة الألعاب الإلكترونية هو أكثر من مجرد مشروع اقتصادي. بل إنه جزء من رؤية شاملة لتمكين الشباب المغربي وبناء اقتصاد مرن قائم على الابتكار. بقيادة ملكية واضحة وموقع استراتيجي ورأس مال بشري شاب وطموح.