فرنسا: استقالة “لوكورنو” تزيد من تعميق الأزمة السياسية الفرنسية القائمة وتحرج “ماكرون”

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

قدم رئيس الوزراء الفرنسي، “سيباستيان لوكورنو”، صباح اليوم. استقالته من رآسة الحكومة إلى الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”. في خطوة تزيد من تعميق الأزمة السياسية القائمة وتضع “ماكرون” في مأزق حقيقي مع تفاقم الخلافات حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة.

وهكذا فقرار الاستقالة يعكس عمق الأزمة السياسية القائمة في فرنسا. في خطوة هي الثالثة من نوعها خلال عام واحد فقط. وهو ما يعكس هشاشة غير مسبوقة للتحالف الرئاسي، ارتباطا ببرلمان مشتت.

الإليزيه يقبل استقالة “لوكورنو” 

قال “قصر الإليزيه” في بيان مقتضب أصدره: إن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، “قبل استقالة لوكورنو”. من دون تقديم اية تفاصيل إضافية ولا الكشف عن هوية خلفه. في مؤشر على تعقيد المشاورات السياسية الجارية وحساسية المرحلة التي تمر بها فرنسا في الوقت الراهن.

تجدر الإشارة إلى أن “لوكورنو” تولى منصب رئاسة الوزراء في التاسع من شتنبر الماضي، خلفا لحكومة لم تعمر طويلا. إلا أن مسيرته في رئاسة الحكومة لم تخلُ من توترات وانتقادات. خاصة بعد إعلانه، الأحد. عن تشكيلته الحكومية الجديدة.

المراقبون يرون أن هاته التغييرات المتكررة في الحكومة تعكس هشاشة التحالف السياسي الداعم للرئيس “ماكرون” وصعوبة الحفاظ على توازن القوى داخل البرلمان.

حكومة ثالثة تنهار في عام واحد 

أثارت تشكيلة الحكومة الجديدة التي أعلن عنها “لوكورنو” موجة من الانتقادات من قبل أحزاب المعارضة. التي اعتبرت أنها لم تأت بأي جديد يذكر وأن اخياراتها دون مستوى تطلعات الشارع الفرنسي، الذي يعيش حالة من الغضب بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة. مع تسجيل ارتفاع في كلفة المعيشة واستمرار الخلافات حول إصلاحات التقاعد والسياسات الضريبية.

استقالة تضع الرئيس الفرنسي الساعي لاستعادة الثقة في سياساته وإعادة ترتيب المشهد الحكومي قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أمام تحديات كبرى. خاصة بعد خسارته الأغلبية المطلقة في البرلمان. فيما يترقب الشارع الفرنسي الخطوة المقبلة ل”ماكرون” في ظل حديث متزايد عن احتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو إجراء تعديل دستوري يعيد التوازن للمشهد السياسي الفرنسي المضطرب.

فرنسا: برلمان مقسم وحكومة ضعيفة

تكشف استقالة “لوكورنو” عن إشكالية بنيوية أصبح يعيش تحت وقعها المشهد السياسي الفرنسي. فمع فقدان تحالف “معا” الأغلبية البرلمانية خلال الانتخابات التشريعية لعام 2022 وما صاحبه من صعوبة تشكيل حكومات مستقرة في ظل برلمان مشتت. عمقت الخلافات حول سياسات التقاعد والضرائب من حدة الأزمة الراهنة وبالتالي نقلت المشهد إلى حالة اللااستقرار السياسي.

استقالة تأتي في ظل معاناة الفرنسيين من ارتفاع متواصل في كلفة المعيشة وتأثيرات التضخم. مع استمرار الجدل حول إصلاح نظام التقاعد المثير للخلاف. فضلا عن تدهور القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة والفقيرة.

كل هاته الأحداث المتفجرة تشتعل في ظل عجز رآسي دستوري لرئيس ذا صلاحيات محدودة يواجه برلمانا معارضا. حيث تنص “المادة 8 من الدستور الفرنسي” على: أن “رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء ويقبل استقالته”، لكنه لا يمنحه سلطات مطلقة في ظل برلمان معارض.

الأزمة السياسية الفرنسية المشتعلة والسيناريوهات الممكنة 

يترقب المراقبون عدة سيناريوهات يمكن ان يعمد إليها الرئيس الفرنسي، “إيمانويل ماكرون”. ضمنها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أحزابا متنافسة، أو إجراء تعديل دستوري لإعادة التوازن المؤسسي، أو الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة رغم المخاطر.

النخبة السياسية انقسمت في ردود فعلها على الأجواء المشتعلة في المشهد السياسي الفرنسي. بين معترف بصعوبة الأوضاع القائمة وتحدي إجراء إصلاحات. وبين مؤكد على أن استقالة “لوكورنو” اعتراف صريح بفشل سياسات “ماكرون”. وبين من يعتبر أن هاته الاستقالة تعكس أزمة نظام سياسي بكامله، وليس مجرد أزمة حكومة.

فمستقبل “فرنسا” يواجه اختبارا للديمقراطية التي تبقى في مهب الأزمة في ظل مواجهتها لمرحلة مصيرية تحدد قدرة النظام السياسي على تجاوز الأزمة الحالية. مع إمكانية تحقيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية ضرورية للخروج من عنق الزجاجة. كما أنها اختبار لموقع فرنسا في الخريطة السياسية الأوروبية والدولية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.