النذرة المائية وضمان الأمن المائي والغذائي بأفريقيا محور مؤتمر أفريقي بفاس

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

تنظم “الجمعية الوطنية للتحسينات العقارية والري وصرف المياه والبيئة”، بمدينة فاس، المؤتمر الإفريقي السابع للهندسة القروية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 22 أكتوبر الحالي وإلى غاية 24 منه. في موضوع “تدبير المياه من أجل فلاحة مستدامة ومرنة في إفريقيا”.

وهكذا ستتحول “مدينة فاس” باحتضانها لهذا المؤتمر إلى منصة إقليمية للحوار العلمي حول مستقبل الأمن المائي والفلاحي في إفريقيا. في محاولة جماعية لمواجهة أكبر التحديات التي تواجه القارة السمراء. علما أن المتحكم في الماء سيتحكم في الحياة.

المؤتمر منصة علمية لصياغة مستقبل الماء في إفريقيا

يهدف المؤتمر، وفق اللجنة المنظمة، إلى تبادل الخبرات بين صناع القرار والباحثين. وذلك للتداول حول سبل مواجهة تحديات التغيرات المناخية، التي تهدد أكثر من 250 مليون إفريقي بنقص حاد في الموارد المائية مع حلول عام 2030، وفق تقرير البنك الإفريقي للتنمية.

كما سيسعى لتقديم حلول مبتكرة لضمان الأمن المائي والغذائي، عبر جلسات علمية وورشات تقنية تتناول مواضيع تعبئة الموارد المائية. إضافة لمعالجة المياه المستعملة والابتكار في أنظمة الري الذكي. فضلا عن عرض مشاريع رقمية متقدمة في الزراعة المستدامة.

هدف المؤتمر تقديم حلول مبتكرة ضمانا للأمن المائي والغذائي 

عن هذا المؤتمر قال المنظمون، خلال ندوة صحفية عقدوها، أمس السبت”، ب”الرباط”: إن هدف المؤتمر توفير فضاء للتبادل والنقاش بين صناع القرار والخبراء والباحثين حول التحديات المائية التي تواجهها القارة الإفريقية في ظل التغيرات المناخية. إضافة لتقديم الحلول المبتكرة الكفيلة بضمان الأمن المائي والغذائي.

مقاربة متكاملة تجعل من المؤتمر فضاء لتقاطع المعرفة التقنية والاقتصادية. وذلك بما يعزز انتقال إفريقيا نحو نماذج فلاحة مرنة مقاومة للجفاف.

وأضافوا أن هاته التظاهرة ستتميز بتنظيم جلسات علمية، مع إقامة ورشات تقنية ستركز على التجارب الناجحة في تعبئة الموارد المائية وترشيد استعمالها. فضلا عن عرض مشاريع مبتكرة تعتمد الرقمنة والتقنيات الحديثة لخدمة الفلاحة المستدامة.

تجدر الإشارة، إلى أنه سيتم على هامش المؤتمر إقامة معرض مهني مواز يضم مؤسسات وهيئات وطنية ودولية ناشطة في مجالات الماء والفلاحة والبيئة. بهدف جعل التكنولوجيا في خدمة الفلاحة عبر اعتماد تقنيات السقي الذكي، تحليل التربة عبر الذكاء الاصطناعي وتحلية المياه. إضافة لدعم الابتكارات البيئية. والأهم ربط البحث العلمي بالقطاع الاقتصادي مع تشجيع الاستثمار في التكنولوجيا الخضراء.

التجربة المغربية نموذج لتعزيز الأمن المائي 

من جهته قال رئيس “الجمعية الوطنية للتحسينات العقارية والري وصرف المياه والبيئة”، “عزيز فرتاحي” في تصريح ل”وكالة المغرب العربي للأنباء”: إن “الماء يشكل اليوم أولوية ملحة”، مبرزا أن هذا المؤتمر سيمكن من تقاسم التجارب والخبرات التي راكمها المغرب في مجال تدبير الموارد المائية.

وأوضح “فرتاحي”: أن التجربة المغربية في مجال نقل المياه تعد من التجارب الرائدة على الصعيدين الإقليمي والإفريقي. لاسيما “مشروع الطريق السيار المائي الرابط بين حوضي “سبو” و”أبي رقراق””. مؤكدا أن هاته المشاريع ستعزز الأمن المائي للمملكة وتسهم بالتالي في تعزيز التعاون “جنوب-جنوب”.

تصريح ينسجم مع الرؤية الملكية السامية المؤكدة على أن “الماء هو عصب التنمية، وضمان الأمن المائي جزء من ضمان الأمن القومي”.

المغرب مختبر إفريقي لسياسات الماء

تعتبر التجربة المغربية في نقل المياه بين الأحواض من أكثر التجارب طموحا في القارة الأفريقية. ضمنها مشروع “الطريق السيار المائي” الذي انطلق العمل به عام 2023. بتكلفة تناهز 6 مليارات درهم. والذي يهدف لنقل المياه من الشمال الغني إلى الوسط المأزوم مائيا. فضلا عن “المخطط الوطني للماء “2020-2050″” و”البرنامج الوطني للتطهير السائل وإعادة استعمال المياه العادمة”.

سياسات جعلت المملكة ضمن الخمسة الأوائل إفريقيا في مؤشرات الاستدامة المائية، وفق تقرير البنك الدولي.

ويرتكز البرنامج العلمي والتقني للمؤتمر على ثمانية محاور رئيسية، ذات صلة بالسياسات والأطر التنظيمية، تعبئة ومعالجة المياه وترشيد استعمالها. إضافة لأنظمة الزراعة الغذائية والطاقة والتكنولوجيات الجديدة. فضلا عن التغيرات المناخية وحماية الأحواض المائية والتربة وروح المقاولة ونقل التكنولوجيا.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الحدث القاري البارز يتم تنظيمة من قبل “الجمعية الوطنية للتحسينات العقارية والري وصرف المياه والبيئة” بشراكة مع “الجمعية الإفريقية للهندسة الفلاحية”. إضافة “للجمعية الأمريكية للمهندسين الزراعيين والبيولوجيين”. بدعم من عدد من الشركاء الوطنيين والدوليين. ضمنهم “وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات” و”اللجنة الدولية للري والصرف” و”المعهد الدولي لتدبير المياه”.

ومن المرتقب أن يستقطب هذا الحدث القاري نحو 300 مشاركا ومشاركة من بلدان إفريقية وأوروبية وأسيوية. وأيضا من الولايات المتحدة الأمريكية.

يأتي تنظيم هذا المؤتمر بعد النجاح الذي عرفته تظاهرات دولية سابقة نظمتها “الجمعية”. ضمنها “المناظرة الجهوية الإفريقية الخامسة للجنة الدولية للري والصرف” التي احتضنتها “مدينة مراكش” عام 2021، و”المؤتمر الدولي العاشر حول الري الموضعي” الذي تم تنظيمه ب”مدينة الداخلة” عام 2023.

كما أن انعقاده ينطلق من الإيمان بأن  الماء ملك عمومي، وأن تدبيره يجب أن يتم في إطار مستدام يضمن التوازن بين الحاجيات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه ينسجم مع التوجيهات الملكية السامية المشددة على ضرورة تسريع وتيرة تنزيل البرنامج الوطني للماء 2020–2027. خاصة في شقه المتعلق بتحلية مياه البحر ونقلها من مناطق فائضة إلى مناطق عجز.

فاس الحدث والسياق الأفريقي المتوتر مائيا

يأتي هذا المؤتمر في سياق يتسم بأزمة خانقة تعيشها القارة الأفريقية. حيث تشير تقارير “الأمم المتحدة” إلى أن أكثر من 70% من سكان إفريقيا يعتمدون على الزراعة المطرية. وهو ما يجعلهم رهائن لتقلبات مناخية متزايدة.

كما يأتي كمحاولة قارية بمبادرة مغربية لوضع خارطة طريق قارية نحو تدبير متكامل للمياه. بما يضمن الأمن الغذائي ويحد من الهشاشة المناخية. لأن التحدي ليس في نقص الماء، بل في حسن تدبيره، والرقمنة اليوم تمنحنا فرصة ذهبية لتحقيق العدالة المائية.

كما أن اختيار “مدينة فاس” لاحتضان المؤتمر لم يكن اعتباطيا. فهي تحتضن “جامعة سيدي محمد بن عبد الله” التي تعد من أقطاب البحث العلمي في الموارد المائية بالمغرب. إذ تتوفر على مختبرات معترف بها دوليا في مجالات الهيدروجيولوجيا والتغير المناخي.

كما أن هذا المؤتمر يندرج ضمن الدبلوماسية العلمية المغربية التي تهدف إلى تعزيز التعاون “جنوب–جنوب”، في ضوء اتفاقيات متعددة وقعها “المغرب” مع “دول الساحل الإفريقي” في مجال تبادل الخبرات في الري وتدبير السدود الصغيرة والمتوسطة.

ومن المنتظر أن يشكل المؤتمر الإفريقي السابع للهندسة القروية بفاس نقطة تحول في التفكير الإفريقي الجماعي حول تدبير المياه. من منطق الندرة إلى منطق الحكامة والابتكار. كما أنه يكرس الريادة المغربية في السياسات المائية، التي تحولت من برامج وطنية إلى مراجع قارية ودولية. وذلك في ظل تحديات الجفاف وتقلص التساقطات بنسبة 30% خلال العقد الأخير. وتغيرات مناخية بأثرها المتفاقم على الموارد المائية بأفريقيا. وبالتالي يصبح هذا المؤتمر أكثر من مجرد تظاهرة علمية، بل إنه نداء للتعبئة الجماعية من أجل مستقبل مائي آمن ومستدام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.