يعمل آلاف حراس الأمن الخاص في المغرب في ظروف توصف بـ”عبودية القرن الحادي والعشرين”، حيث يتم حرمانهم من أبسط حقوقهم القانونية والاجتماعية. في ظروف تفتقد لأدنى ضمانات الحماية الاجتماعية والصحية. كل ذلك في ظل غياب رقابة فعالة من مفتشية الشغل. وضعية تتناقض مع مقتضيات قانون الشغل والدستور المغربي، وتفتقد لأدنى ضمانات الحماية الاجتماعية والصحية.
فظروف عمل هؤلاء الحراس جد مزرية. فأقل ما يمكن أن نقوله عنها أنها وضعية تنعدم فيها كل القيم الإنسانية. حيث تتنتفي أدنى الضمانات القانونية والاجتماعية والصحية. سمتها الأساسية الخرق لمقتضيات قانون الشغل وللقوانين الوطنية والدولية المعمول بها.
حراس الأمن الخاص من الهشاشة إلى المزيد من الهشاشة
يعيش حراس الأمن الخاص وضعا كارثيا، يكاد يجتمع حول نقطة مركزية وهي هضم أبسط الحقوق والدوس على الكرامة والحق الأجري والدستوري والقانوني. فواقع هاته الفئة الاجتماعية يتسم بغياب أي ضمانة اجتماعية. من جهة عدم التصريح بهؤلاء الأجراء لدى مصالح “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. مع غياب الحقوق المتصلة بالاستفادة من العطل الدينية والوطنية، ولا تحديد لساعات العمل ولا تغطية صحية ولا عدالة أجرية ولا تعويضات في شكل يمكن وصفة بعبودية القرن 21.
كل ذلك يتم في ظل غياب رقابة الجهات المسؤولة خاصة مفتشية الشغل في إخلال بواجباتها المهنية والدستورية. مما يجعلها شريكا في العبودية الممارسة على هاته الفئة الاجتماعية.
وفي هذا السياق تشير تقديرات غير رسمية أن 70% من حراس الأمن الخاص غير مسجلين في “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. كما أن الظاهرة تشمل معظم المدن المغربية، خاصة الكبرى منها ك”الدار البيضاء”، “الرباط” و”مراكش”.
كل ذلك تتم ممارسته في ظل نص قانوني صريح يقول: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية على تعزيز مشاركة المواطنين في التنمية البشرية المستدامة”. و”يستحق “الأجير” الأجر عن كل ساعة عمل إضافية بأزيد من 25% من الأجر العادي”. وأيضا ““يجب على المشغل أن يصرح بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. فأين نحن من كل هذا على الرغم من وضوح النص؟ ومن المسؤول عن هاته العبودية المعاصرة؟ فحقوق العمال جزء من كرامة الإنسان التي يكفلها الدستور. ولا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية في ظل هاته الانتهاكات الصارخة لروح القانون.
من المسؤول عن غياب العدالة الأجرية والاجتماعية؟
يتقاضى معظم حراس الأمن الخاص أقل من 2500 درهم شهريا بلا تعويض عن الساعات الإضافية. كما أنهم يشتغلون في ظروف قاسية لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا. دون عطل أسبوعية منتظمة ولا أعياد ولا عطل رسمية. كما أن 85% من العاملين في القطاع محرومون من التغطية الصحية. في قطاع يشغل أكثر من 150,000 حارس وحارسة أمن في جميع أنحاء المملكة.
وتمثل وضعية حراس الأمن الخاص في المغرب هاته اختبارا حقيقيا لفعالية المنظومة الحقوقية والقانونية في البلاد. ومع استمرار هذه الانتهاكات تتعرض سمعة المغرب كدولة تحترم حقوق الإنسان لخطر حقيقي. وهو ما يفرض تحركا عاجلا من جميع الجهات المعنية إنصاف هاته الفئة التي تضحي بأمنها الشخصي من أجل أمن الآخرين.
بين هشاشة الشغل وانعدام الحماية الاجتماعية: أين يقف القانون؟
في كل مؤسسة عامة أو خاصة. في المستشفيات، المدارس، الأبناك والمقرات الإدارية، يقف حارس الأمن الخاص كخط الدفاع الأول لحماية الأرواح والممتلكات.غير أن هؤلاء الذين يسهرون على أمن غيرهم، يعيشون في ظل انعدام الأمن المهني. بين أجور هزيلة وساعات عمل طويلة، وغياب الضمانات الاجتماعية التي يكفلها الدستور المغربي والقوانين المنظمة للشغل.
واقع مر: أجور دون الحد الأدنى وحقوق غائبة
بإطلالة على واقع العمل الميداني نكون أمام ارقام صادمة. حيث تتراوح أجور معظم حراس الأمن الخاص بالمغرب بين 1800 و2500 درهم شهريا. مبلغ لا يصل للحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص (SMIG). وفق ما هو منصوص عليه قانونيا.
وهذا يعني أن جزءا كبيرا من شركات الحراسة لا تحترم الحد الأدنى للأجور. في خرق واضح لمقتضيات مدونة الشغل. التي تنص على أن المشغل ملزم باحترام الحد الأدنى للأجر المقرر قانونا. فمن غير المقبول أن يكون حارس الأمن الذي يحمي المؤسسات هو نفسه بلا حماية.
فراغ قانوني واستغلال مؤسساتي
على الرغم من صدور مرسوم منظم لمهنة الحراسة والأمن الخاص عام 2013. إلا أن تطبيقه ظل محدودا على أرض الواقع. فالعديد من الشركات تمارس نشاطها بدون ترخيص قانوني، أو تمارس الالتفاف على مقتضيات القانون، من خلال تعاقدات مؤقتة وهشة. ودون تسجيل الأجراء في “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” (CNSS)، أو توفير التأمين ضد حوادث الشغل.
كما يتم إجبار عدد من الحراس على العمل 12 ساعة متواصلة يوميا دون تعويض عن الساعات الإضافية، في خرق واضح لمدونة الشغل التي تحدد مدة العمل الأسبوعية في 44 ساعة كحد أقصى.
واقع يعكس ما يمكن تسميته ب“العبودية الحديثة في ثوب مهني”. حيث يتحول الأجير إلى أداة لخدمة شركات “المقاولة الفرعية (Sous-traitance)” التي تركز على الربح على حساب كرامة الإنسان.
الدستور المغربي والمواثيق الدولية: التناقض الصارخ
يؤكد الدستور المغربي على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة الوسائل لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين من الحق في الشغل، والحماية الاجتماعية، والولوج إلى العلاج، والكرامة.إلا أن الواقع يظهر أن حراس الأمن الخاص مستثنون عمليا من هذه الحقوق.
كما أن المغرب صادق على اتفاقيتين دوليتين صادرتين عن “منظمة العمل الدولية (ILO)”. متعلقتين بالحق في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية. إلا أن ممارسات الضغط والطرد تطال كل من يحاول الدفاع عن حقوقه.
مسؤولية الدولة والمشغلين: بين الغياب والمحاسبة
يرى محامون وحقوقيون أن مسؤولية الوضع الحالي تتقاسمها الدولة والمشغلون. حيث تتساهل بعض الإدارات العمومية في الصفقات مع شركات حراسة لا تحترم القانون. فيما يغيب التفتيش الفعلي من طرف مفتشيات الشغل التابعة للوزارة الوصية. ليتحول المشهد الإداري إلى مجرد ديكور بلا عنوان. وهو ما يقتضي مراجعة الإطار القانوني المنظم للمهن الأمنية الخاصة بما يضمن كرامة العاملين فيها. مع تفعيل الآليات الرقابية بما يضمن احترام القانون وبالتالي الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. لأن الإصلاح الحقيقي والفعلي يبدأ من تفعيل المراقبة الصارمة على شركات الحراسة الخاصة. مع إلزام كل المؤسسات المتعاقدة باحترام الحد الأدنى للأجور وتسجيل العمال في “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي”. فضلا عن تجريم عقود التشغيل غير المهيكلة. لأنه لا يمكن أن نتحدث عن استثمار في الرأسمال البشري فيما جنود الأمن الخاص يعيشون في الهشاشة واللاعدالة.