قنبلة بالبرلمان المغربي: برلماني يفجر قنبلة مطاحن تخلط الدقيق بالأوراق وتقدمه للاستعمال

محمد حميمداني

 

شهد مجلس النواب المغربي لحظة مفاجئة، خلال مناقشة مشروع قانون المالية لعام 2026. حين فجر “أحمد التويزي”، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، قنبلة سياسية مدوية. كاشفا ما اسماه “ممارسات مشبوهة” في بعض مطاحن الحبوب، مدعيا أن بعضها “يخلط الورق بالدقيق المدعم الموجه للمواطنين”.

تصريح فجر موجة من الانتقادات والتساؤلات في الأوساط المجتمعية فيما ادعاه من وجود ممارسات مشبوهة في بعض مطاحن الحبوب بالمملكة. قائلا: إن بعضها يقوم بـ“طحن الورق وخلطه بالدقيق المدعم الموجه للمواطنين”. 

تصريح “التويزي” لم يكن زلة لسان، ولا تعبيرا مجازيا كما حاول تقديمه كتبرير لاحقا. لأنه صادر عن مسؤول سياسي رفيع داخل الأغلبية الحكومية، مما يجعله يكتسب خطورة مضاعفة. ويستوجب بالتالي فتح تحقيق قضائي عاجل بالنظر لارتباطه المباشر بالصحة العامة وحق المواطنين في سلامة المنتجات الغذائية.

فحين يتم اتهام قطاع استراتيجي حيوي كالمطاحن بالتلاعب بقوت المغاربة وصحتهم. فالأمر لم يعد سياسيا بل أصبح قضية وطنية.

من دعم القمح إلى قنبلة البرلمان

تبلغ كلفة دعم القمح بالمغرب حوالي 16 مليار درهم سنويا، وفقا لتصريحات وزارة الاقتصاد والمالية. ويهدف هذا الدعم إلى ضمان استقرار أسعار الخبز وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الفئات الهشة.
لكن هذا النظام، بحسب خبراء، يعاني من غياب المراقبة الفعالة وضعف الشفافية في تدبير الحصص الموجهة للمطاحن.

فوفقا للقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. فإن أي تلاعب في المنتجات المدعمة يدخل ضمن ممارسات الغش التجاري. وهو ما يستوجب متابعة قضائية تحت طائلة “المادة 15 من القانون رقم 13.83″، المتعلق بزجر الغش في البضائع.

فالقضية تمس الأمن الغذائي الوطني. وبالتالي فإن أي تهاون في المراقبة يشكل إخلالا بمبدأ المسؤولية العمومية.

الفيدرالية الوطنية للمطاحن تستنكر تصريحات “التويزي” وتصفها بالخطيرة

عقب الجدل الدائر، استنكرت “الفيدرالية الوطنية للمطاحن” بشدة تصريحات “التويزي”. واصفة إياها ب“الخطيرة وغير المسؤولة وغير المبنية على أية دلائل ولا أسس”، ومعتبرة إياها “دعاية انتخابية سابقة لأوانها”.

ورفضت “الفدرالية” هاته الادعاءات بشكل قطعي، داعية المسؤول البرلماني إلى تقديم ما لديه من أدلة أمام النيابة العامة، مؤكدة انفتاحها الكامل على أي تحقيق رسمي إذا توفرت معطيات موثوقة.

وشددت “الفدرالية” على أن المطاحن المغربية تخضع لمراقبة صارمة من قبل “المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)”، وفقا لمقتضيات المرسوم رقم 2.10.473 المنظم لمراقبة المنتجات الفلاحية والغذائية. مضيفة أن مثل هاته التصريحات تسيء لقطاع استراتيجي وحساس، وتضرب في مصداقية مئات المهنيين الذين يلتزمون بأعلى معايير الجودة والمراقبة. معتبرة إياها أنها تأتي في سياق “انتخابي”.

تصعيد سياسي من قبل المعارضة ودعوات للتحقيق وسط مخاوف من أزمة ثقة

دخلت المعارضة على خط التصريح القنبلة. حيث وصف “محمد أوزين”، الأمين العام ل”حزب الحركة الشعبية”، تصريحات “التويزي” بأنها “إعلان عن فراقشية جدد”، في إشارة إلى مهربي الطحين في فترات سابقة. مضيفا: “وشهد شاهد من اهلها”.

وقال “أوزين” في لقاء مع القناة الأولى: “خاص النيابة العامة تفتح تحقيق، ما يمكنش نستامرو هكا. هذا كلام كبير، والمغاربة غدا يقدر ما يشريوش الخبز”.

واستحضر “أوزين” “كارثة الزيوت المسمومة” التي أودت بحياة أكثر من 20 ألف مغربي في ستينيات القرن الماضي. محذرا من تكرار المأساة إن ثبتت صحة الادعاءات.

تصريحات “التويزي” بين الخطاب والحاجة إلى الشفافية والمساءلة

كشف تصريح “التويزي” عن وجود خلل بنيوي في منظومة دعم المواد الأساسية بالمغرب. موزعة بين تضخيم الفواتير وغياب الرقابة الحقيقية. 

ويرى مراقبون أن ما حصل يفرض تفعيل آليات المحاسبة المنصوص عليها في القانون خاصة في الشق المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة.

كما يفرض هذا التصريح بما حلمه من خطورة من المجلس الأعلى للحسابات فتح تحقيق معمق لتحديد مدى احترام المطاحن المدعمة لشروط الاستفادة وجودة المنتوج.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستتحرك السلطات فعلا، أم ستطوى القضية كما هو حال سابقاتها؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.