جلالة الملك “محمد السادس” يعلن “فتحا جديدا” بإقرار مغربية الصحراء أمميا

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

وجه جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله، مساء اليوم الجمعة، خطابا ساميا. زف من خلاله لشعبه الوفي خبر الانتصار المغربي على الصعيد الأممي بالاعتراف بشرعية المملكة على أقاليمها الجنوبية. مبرزا جلالته أن هذا الانتصار هو ثمرة نضال طويل استمر لمدة 50 عاما. واقفا حول تضحيات رائد المسيرة الخضراء جلالة المغفور له “الحسن الثاني”، طيب الله تراه. وجنود وضباط القوات المسلحة الملكية وكافة الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل هاته اللحظة التاريخية.

ومد جلالته، أعزه الله، يده للجارة “الجزائر”، وتحديدا للرئيس “تبون”. داعيا إياه لاستثمار هاته اللحظة التاريخية وبناء اتحاد مغاربي قوي قائم على التعاون والعمل المشترك والاحترام. 

وكانت بداية الخطاب المولوي واستشهاده بالقرآن الكريم، وقوله تعالى “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”. ذات دلالة تحمل أبعادا دينية بروح وطنية توقفت حول 50 عاما من التضحيات من أجل الحق وثباته وتكريسه قاعدة مجتمعية التف حولها الملك والشعب. وقدموا في سبيل تحقيقها الغالي والنفيس. بمنطق دبلوماسي قائم على قاعدة من التدبير إلى التغيير والبناء. حاثا جلالته أعزه الله على تفعيل الجهوية الموسعة انسجاما مع هذا التوجه الأممي الداعم لمقترح المغرب الواقعي. داعيا المغاربة ب”تندوف” للعودة إلى وطنهم للمساهمة في بنائه وتقدمه.

خطاب زف فيه جلالته أعزه الله “فتحا جديدا” في مسار تثبيت مغربية الصحراء. معتبرا القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي بأنه يشكل منعطفا حاسما في تاريخ المملكة.

وقال جلالته: “لقد حان وقت المغرب الموحد، من طنجة إلى الكويرة، الذي لن يتطاول أحد على حقوقه، وعلى حدوده التاريخية”.

الخطاب الملكي السامي التوقيت والآفاق

جاء خطاب جلالة الملك، نصره الله. في توقيت دبلوماسي متميز. حيث أوضح جلالته أن هاته اللحظة تأتي بعد خمسين سنة من التضحيات. وتتزامن مع تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة والذكرى السبعين لاستقلال المملكة المغربية.

وأضاف جلالته أن ثلثي دول العالم أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الإطار الوحيد للحل. مؤكدا أن التحول الدولي السياسي والاقتصادي في الأقاليم الجنوبية بات ملموسا.

وأوضح جلالته، حفظه الله، أن المملكة بصدد تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي لتقديمها إلى الأمم المتحدة كأساس وحيد للتفاوض، ضمن استراتيجية “حل لا غالب فيه ولا مغلوب”.

وسلط جلالة الملك الضوء على الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب الاقتصادية على الأقاليم الجنوبية. مع تشجيع الاستثمارات والتبادل التجاري، الأمر الذي يعزز التوجه نحو جعل هذه الأقاليم “قطبا للتنمية والاستقرار”.

وفي سياق العلاقات الثنائية، وجه جلالة الملك دعوة مباشرة للرئيس “عبد المجيد تبون” لحوار أخوي مبني على الثقة وحسن الجوار. كما دعا إلى إحياء الاتحاد المغاربي عبر التعاون بين الدول الخمس، تعبيراً عن رغبة في ترسيخ البعد المغاربي ضمن السياسات الإقليمية.

وقد حمل الخطاب المولوي السامي، اليوم، رسالة سياسية ودبلوماسية محورية تعلن دخول المغرب مرحلة جديدة في مقاربته لقضية الصحراء. مرحلة “الحسم” كما وصفها جلالته، أعزه الله.

كما يشكل الخطاب المولوي السامي مؤشرا وطنيا بتحول المغرب من “مرحلة التدبير” إلى “مرحلة التغيير”. حيث التطور الحقوقي، الاقتصادي والتنموي يتناغم مع السيادة والمصالح الوطنية.

على المستوى الدولي، تمثل الكلمات تأكيدا لنجاح التحرك المغربي في إلباس المبادرة الملكية لباسا أمميا تنمويا، وليس مجرد مطلب سياسي.

وفيما يلي نص الخطاب الملكي السامي:

“الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

قال تعالى “إنا فتحنا لك فتحا مبينا”. صدق الله العظيم .

شعبي العزيز،

بعد خمسين سنة من التضحيات، ها نحن نبدأ، بعون الله وتوفيقه، فتحا جديدا، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء. والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي.

وإنه من دواعي الاعتزاز، أن يتزامن هذا التحول التاريخي، مع تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، والذكرى السبعين لاستقلال المغرب.

وبهذه المناسبة، يسعدني أن أتقاسم معك اليوم، مشاعر الارتياح، لمضمون القرار الأخير لمجلس الأمن.

إننا نعيش مرحلة فاصلة، ومنعطفا حاسما، في تاريخ المغرب الحديث. فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده.

لقد حان وقت المغرب الموحد، من طنجة إلى الكويرة، الذي لن يتطاول أحد على حقوقه، وعلى حدوده التاريخية.

شعبي العزيز، لقد قلت في خطاب سابق، إننا انتقلنا في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير.

فالدينامية التي أطلقناها، في السنوات الأخيرة، بدأت تعطي ثمارها على جميع الأصعدة.

ذلك أن ثلثي الدول بالأمم المتحدة، أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي، هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع.

كما أن الاعتراف بالسيادة الاقتصادية للمملكة، على الأقاليم الجنوبية عرف تزايدا كبيرا، بعد قرارات القوى الاقتصادية الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وروسيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، بتشجيع الاستثمارات والمبادلات التجارية مع هذه الأقاليم.

وهو ما يؤهلها لتصبح قطبا للتنمية والاستقرار، ومحورا اقتصاديا بمحيطها الجهوي، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء.

واليوم ندخل، والحمد لله، مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات، الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة.

وفي سياق هذا القرار الأممي، سيقوم المغرب بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق.

ولا يفوتنا هنا، أن نتقدم بعبارات الشكر والتقدير لجميع الدول، التي ساهمت في هذا التغيير، بمواقفها البناءة، ومساعيها الدؤوبة، في سبيل نصرة الحق والشرعية.

وأخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة صديقنا فخامة الرئيس دونالد ترامب، الذي مكنت جهوده من فتح الطريق للوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع.

كما نشكر أصدقاءنا في بريطانيا وإسبانيا، وخاصة فرنسا، على جهودهم من أجل نجاح هذا المسار السلمي.

ونتوجه أيضا بجزيل الشكر لكل الدول العربية والإفريقية الشقيقة، التي ما فتئت تعبر عن دعمها، الدائم واللامشروط، لمغربية الصحراء، وكذا مختلف الدول عبر العالم، التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي.

ورغم التطورات الإيجابية، التي تعرفها قضية وحدتنا الترابية، يبقى المغرب حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.

فالمغرب لا يعتبر هذه التحولات انتصارا، ولا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات.

وفي هذا السياق، نوجه نداء صادقا، لإخواننا في مخيمات تندوف، لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم، وبناء مستقبلهم، في إطار المغرب الموحد.

وبصفتي ملك البلاد، الضامن لحقوق وحريات المواطنين، أؤكد أن جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف، وبين إخوانهم داخل أرض الوطن.

ومن جهة أخرى، أدعو أخي فخامة الرئيس عبد المجيد تبون، لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار.

كما نجدد التزامنا بمواصلة العمل، من أجل إحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس.

شعبي العزيز،

إن ما تعرفه أقاليمنا الجنوبية من تنمية شاملة وأمن واستقرار، هو بفضل تضحيات جميع المغاربة.

ولا يسعنا هنا، إلا أن نعبر عن اعتزازنا وتقديرنا، لكل رعايانا الأوفياء، لاسيما سكان أقاليمنا الجنوبية، الذين أكدوا على الدوام، تشبثهم بمقدسات الأمة، وبالوحدة الوطنية والترابية للبلاد.

كما نشيد بالجهود الدؤوبة، التي تبذلها الدبلوماسية الرسمية والحزبية والبرلمانية، ومختلف المؤسسات الوطنية، من أجل الطي النهائي لملف وحدتنا الترابية.

ونغتنم ذكرى المسيرة الخضراء الخالدة، لنستحضر بكل إجلال وتقدير، التضحيات الجسيمة، التي قدمتها القوات المسلحة الملكية، والقوات الأمنية، بكل مكوناتها، وعائلاتهم بمختلف مناطق البلاد، طيلة خمسين سنة الماضية، في سبيل الدفاع عن وحدة الوطن، والحفاظ على أمنه واستقراره.

كما نترحم على الأرواح الطاهرة لمبدعها، والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، وكل شهداء الوطن الأبرار.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته “.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.