الصين تمدد “هدنة الجمارك” مع أمريكا: هل هي هدنة فعلية أم استراحة من اجل جولة جديدة؟
محمد حميمداني
محمد حميمداني
في خطوة توصف بأنها بادرة حسن نية استراتيجية، أعلنت وزارة المال الصينية، اليوم الأربعاء، تمديد تعليق الرسوم الجمركية الإضافية بنسبة 24% على مجموعة من السلع الأمريكية لمدة عام إضافي. مع الإبقاء على الرسوم الأساسية بنسبة 10%.
يأتي هذا القرار الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من 10 نونبر الجاري، بعد أقل من أسبوع على القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين الصيني “شي جينبينغ” والأمريكي “دونالد ترامب”.
قمة شكلت منعطفا جديدا في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وذلك بعد سنوات من التوتر الحاد والتصعيد المتبادل في ملفات التجارة والتكنولوجيا والطاقة. حيث تم وصفها من قبل المتتبعين بأنها محطة هامة لإعادة بناء الثقة بين الجانبين بعد سنوات من التوتر والتصعيد المتبادل في ملفات عدة.
وجاء في بيان رسمي صادر عن مجلس الدولة الصيني أن هذا التمديد “يهدف إلى خلق مناخ إيجابي للحوار الاقتصادي والتجاري بين بكين وواشنطن. مع الحفاظ على جزء من الرسوم كأداة تفاوض مستقبلية”. في إشارة لرغبة “الصين” في عدم إغلاق باب التفاوض. لكنها في الوقت ذاته لا تتنازل عن أوراق ضغطها الاقتصادية.
ويرى مراقبون أن هاته الخطوة تمثل بادرة حسن نية من الجانب الصيني، في وقت تسعى فيه “بكين” لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز نمو اقتصادها الذي يواجه تباطؤا ملحوظا. ومن المرتقب أن يسهم القرار في تخفيف الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية، التي تأثرت خلال السنوات الأخيرة بالحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين.
في الجهة المقابلة،، لم يصدر عن “واشنطن” أي رد رسمي على القرار، حتى حدود الساعة. غير أن مصادر اقتصادية أمريكية اعتبرت التمديد “إشارة إيجابية” قد تمهد لمزيد من التفاهمات حول الرسوم الجمركية المتبادلة. فضلا عن ملفات أخرى، ضمنها حماية الملكية الفكرية ودعم الصناعات الوطنية.
ويؤشر هذا التطور على دخول العلاقات بين الجانبين مرحلة جديدة متسمة ب“الهدوء الحذر” بين “بكين” و”واشنطن”. في انتظار ما ستسفر عنه المحادثات المقبلة بين الجانبين حول مستقبل العلاقات التجارية العالمية.
خلفية النزاع التجاري الأمريكي – الصيني
يعود أصل الأزمة القائمة إلى عام 2018 بعد قيام “الولايات المتحدة الأمريكية” بفرض رسوم جمركية إضافية على واردات صينية بقيمة تتجاوز 360 مليار دولار. الأمر الذي ردت عليه “الصين” بإجراءات مماثلة، شملت أكثر من 120 مليار دولار من الصادرات الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أن “واشنطن” تتهم “بكين” بـالقيام “ممارسات تجارية غير عادلة” و”سرقة الملكية الفكرية”.
ومنذ ذلك التاريخ، تصاعدت الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. ما أدى لحصول اضطراب في الأسواق المالية العالمية. مع تسجيل ارتفاع في أسعار السلع الأساسية وتراجع وتيرة النمو الصناعي في “الصين”. إضافة لكون القرار فرض ضغوط متزايدة على الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات العاملة في “شرق آسيا”.
الأبعاد القانونية والتنظيمية للقرار
تستند “جمهورية الصين الشعبية” في قرارها إلى القانون الصيني الذي يمنح “مجلس الدولة” صلاحية تعديل أو تعليق الرسوم الجمركية مؤقتا لأسباب تتعلق بالمصلحة الوطنية أو العلاقات الدولية.
كما يتقاطع القرار مع أحكام “اتفاقية الجات GATT” ل”منظمة التجارة العالمية” التي تنص على حق الدول الأعضاء في اتخاذ “إجراءات استثنائية مؤقتة” لحماية مصالحها التجارية في حال حدوث اختلالات اقتصادية أو مفاوضات ثنائية قيد التطوير.
ويؤكد خبراء القانون التجاري الدولي أن هذا الإجراء لا يعتبر تنازلا قانونيا من “بكين”. بل يدخل ضمن المرونة المشروعة الممنوحة للدول بموجب قواعد التجارة العالمية. بما يتيح استخدام الرسوم كأداة دبلوماسية للتفاوض الاقتصادي.
تحليلات اقتصادية وتوجهات استراتيجية
يرى المراقبون أن التمديد يعتبر خطوة تكتيكية محسوبة من الجانب الصيني تهدف لإعادة بناء الثقة مع “واشنطن” وتخفيف حدة التوترات التجارية دون أن تفقد “الصين” موقعها التفاوضي. وذلك من خلال إظهار استعدادها للحوار ولكن من موقع قوة وليس من موقع ضعف. إذ يمنحها القرار مساحة مرنة للمساومة دون المساس بسيادتها الاقتصادية.
كما أن القرار الصيني يحمل رسالة مزدوجة. الأولى تهدف لتطمين الشركات الأجنبية بأن السوق الصينية ما تزال مفتوحة. والثانية تحمل تحذيرا ضمنيا بأن ملف الرسوم سيبقى أداة ضغط في المفاوضات المقبلة.