في “الأسبوع الدولي للعلم والسلام”، الذي أقرت “الأمم المتحدة” الاحتفاء به في 11 نوفمبر من كل عام. تتجدد الدعوة إلى التفكير في العلاقة الجدلية بين التقدم العلمي ومفهوم السلام الإنساني.
إلا أن مشاهد الدمار في “غزة” تعيد طرح سؤالٍ عميق ومؤلم: ما جدوى العلم إن كان ثمرة تقدمه تستخدم في تدمير الإنسان بدل حمايته؟.
فقد كشف العدوان على غزة الوجه المظلم لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. حيث تحولت التقنيات التي كان من المفترض أن تخدم التنمية والرفاه إلى أدوات فتاكة لإدارة المعارك، ورصد الأهداف، وتوجيه الصواريخ بدقّة غير مسبوقة. في المقابل، ظل صوت السلام خافتا، مكبلا ببيروقراطية السياسة ومصالح القوى الكبرى.
المفارقة الصارخة التي أبرزتها أحداث غزة هي أن العلم يتقدم بسرعة الضوء، بينما يتقهقر السلام بخطى مثقلة.
العلم اليوم بلا “فرامل”، كما لو أنه محرك ضخم اندفع من مساره الإنساني نحو سباق للتفوق العسكري والاستخباراتي. فيما تعطّلت آليات الردع الأخلاقي والضمير الجمعي.
من المفارقات أيضا أن الذكاء الاصطناعي، الذي يبشر العالم بعصرٍ جديد من الكفاءة والدقة والابتكار. أصبح في الميدان سلاحا يحدد من يعيش ومن يقتل.
فبينما يتفاخر العلماء بقدرة الخوارزميات على تحليل الصور خلال ثوان. يتم استخدام هاته القدرة نفسها لتحديد أهداف بشرية في مناطق مدنية مكتظة. وكأن الذكاء فقد صلته بالإنسانية.
هنا يبرز السؤال الجوهري: هل يمكن أن يزدهر السلام في عالمٍ تتفوق فيه آلة التفكير على ضمير الإنسان؟. ربما آن الأوان لإعادة تعريف مفهوم التقدم العلمي، بحيث لا يقاس فقط بسرعة التطور التكنولوجي، بل بمدى إسهامه في صون الحياة والكرامة الإنسانية. فالعلم الذي لا يخدم السلام، إنما يسهم في صناعة الفوضى بطرق أكثر دقّة وأناقة.
إن ما شهدته غزة لا يمكن اعتباره مجرد حرب عسكرية. بل اختبارا أخلاقيا للذكاء البشري في عصر الذكاء الاصطناعي.
لقد أظهرت الوقائع أن الخطر الحقيقي لا يكمن في الآلة، بل في العقل الذي يوجهها. وفي الغايات التي تُسخر من أجلها.
في هذا الأسبوع الدولي للعلم والسلام، يبدو أن الرسالة الأسمى ليست الاحتفاء بما بلغته البشرية من عبقرية علمية. بل التحذير من أن هذه العبقرية نفسها قد تتحول إلى لعنة إذا ما تخلت عن بعدها الإنساني.