فضيحة الفيديو تضع اللجنة المؤقتة للصحافة بالمغرب في مرمى النيران أي مستقبل تحمل؟

محمد حميمداني

محمد حميمداني

 

هزت فضيحة أخلاقية قطاع الإعلام بالمغرب، مفجرة موجة من الانتقادات وردود فعل غاضبة. حيث طالبت “فيدرالية الناشرين” بفتح تحقيق قضائي وتجميد مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.

وهكذا وفي تطور غير مسبوق في المشهد الإعلامي المغربي. استنكرت “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف” ما وصفته بـ”المجزرة الأخلاقية والقانونية” التي كشفت عنها فيديوهات مسربة من داخل اجتماع “لجنة الأخلاقيات التابعة للجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر”. مطالبة بفتح تحقيق قضائي عاجل، ووقف جميع الأوراش المرتبطة بإعادة هيكلة قطاع الصحافة والنشر بالمغرب.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التصعيد ترافق مع تسريب تسجيلات تتضمن “لغة مهينة” وأساليب تعامل وصفت بـ”الانتقامية” اتجاه الصحفي “حميد المهداوي” وآخرين ممن سبق أن صدرت في حقهم قرارات تأديبية.

فما تضمنته تلك التسجيلات من خواء معرفي واندحار أخلاقي وقانوني بوضاعة لغة التخاطب ودناءة المعجم المستعمل في الكلام. وما حملته من منطق تفكير انتقامي لدى لجنة أخلاقيات المهنة. وما مس شروط العدالة التأديبية من خروقات فظيعة، يعكس قثامة الوضع القائم ومستوى السوقية التي أصبح يدار بها القطاع من خارج السياق القانوني.

تحذيرات من “سطو منظم على القطاع” 

عبر بيان رسمي أصدرته، طالبت “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف” بالمغرب بفتح تحقيق قضائي وإداري مستعجل في ملابسات ما وقع. مع تعليق النقاش التشريعي الجاري ب”مجلس المستشارين” حول مشروع قانون إعادة تنظيم “المجلس الوطني للصحافة والنشر”.

وأوضح البيان أن اللجنة المؤقتة منتهية الولاية وغير قانونية، استنادا للمادة الثانية من قانون إحداثها التي تنص على انتهاء صلاحيتها عند بداية أكتوبر الماضي.

تجدر الإشارة إلى أن المادة الثانية من مشروع “القانون رقم 15.23″، المتعلق بإحداث “لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر” بالمغرب، نص على: “تحدد مدة انتداب اللجنة في سنتين تبتدئ من تاريخ تعيين أعضائها”. علما أنه قد تم تعيين اللجنة بداية شهر أكتوبر من عام 2023. حيث عقدت أول اجتماع لها بتاريخ 6 أكتوبر من عام 2023. وبذلك تكون فاقدة للشرعية القانونية منذ مطلع شهر أكتوبر الجاري. والسؤال المطروح لماذا تواصل اللجنة عملها رغم أنها أصبحت غير شرعية بعد انتهاء فترة انتدابها القانونية؟.

كما طالبت “الفدرالية” بمحاسبة المسؤولين عن تسريب التسجيلات، بمن فيهم اللجنة نفسها. بصفتها الجهة المنوط بها حفظ أسرار التسجيلات والوثائق والملفات المهنية. وأيضا وقف كل المخطط الذي يجري(تغييزه) اليوم، على حد تعبير ما ورد في الفيديو. سواء فيما يتعلق بقانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة أو منظومة الدعم العمومي أو اعتمادات الصحافة الرياضية أو غيرها. أخذا بعين الاعتبار أن كل القرارات الصادرة عن اللجنة ساقطة ولا تحمل أي مفعول قانوني ولا خلفية مؤسساتية اتصالا بانتهاء مدة صلاحية عملها.

ورفضت “الفدرالية” تحويل النقاش من موقعه الأصلي، إلى جهة كيفية التسريب بدل مساءلة محتوى الفيديو المسرب. مبرزة أن “الفضيحة في ما جرى لا في من كشفه”.

التسريب التوقيت والدلالات 

تفجر الموضوع اتصالا بنقاش تشريعي حساس متصل بقطاع الصحافة والنشر. والأمر يتعلق تحديدا بمشروع قانون جديد لإعادة تنظيم “المجلس الوطني للصحافة والنشر” يتم إعداده في أفق اعتماده. وهو المشروع الذي أثار جدلا واسعا اتصالا بحدود استقلالية التنظيم الذاتي للقطاع وشرعية استمرار اللجنة المؤقتة في العمل بعد انتهاء ولايتها. فضلا عن استبعاد التمثيليات المهنية عن عملية صياغة السياسة الجديدة للقطاع.

ويرى خبراء قانونيون أن الأزمة الحالية تعيد فتح نقاش دستوري مرتبط بمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وفقا للفصل 154 من الدستور المغربي.

جدير بالذكر أن “الفصل 154 من الدستور المغربي” ينص على تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني مع استمرارية الخدمات. كما يؤكد على ضرورة خضوع هاته المرافق لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة. وأن يتم تسييرها وفقا للمبادئ والقيم الديمقراطية التي يقرها الدستور.

كما أن القطاع منظم وفق قواعد الحقوق المهنية المكفولة بموجب “قانون الصحافة والنشر 88.13”.

تجدر الإشارة أيضا أن “قانون الصحافة والنشر 88.13” يضمن حقوقا مهنية للصحفيين، تشمل الحماية القانونية عند ممارسة المهنة، والحصول على بطاقة الصحافة المهنية كدليل على صفتهم. وذلك مقابل الالتزام بأخلاقيات المهنة والتشريعات المعمول بها. كما يؤكد القانون على ضرورة استقلالية الممارسة الصحفية ويدعم دور المؤسسات الإعلامية، مع وجود عقوبات في حالات مخالفة نصوص القانون.

“الفدرالية” نقلت صدمتها العميقة مما وصفته بـ”توظيف القانون كسلاح لتصفية الحسابات”، معتبرة أن ما حدث “إساءة جسيمة لقيم المهنية، واستهداف ممنهج لحرية الصحافة وكرامة العاملين فيها”.

كما انتقدت ما وصفته بـ”مخطط التحكم والهيمنة” داخل القطاع، معتبرة أن التسجيلات تكشف عن إقصاء منهجي للفيدرالية من الحوار المؤسساتي. كما تسجل تسليط عقوبات تأديبية بصورة تخدم أجندات ضيقة. فضلا عن سيادة “التحكم” في منظومة التمويل والدعم العمومي بشكل غير متوازن.

آثار ما يقع على الحريات والحقوق الإعلامية 

تأتي هذه التطورات في ظرف وطني وإقليمي متسم بتراجع تصنيف “المغرب” في مجال حرية الصحافة. حيث تراجع إلى الرتبة 129 عالميا، وفق تقرير “منظمة مراسلون بلا حدود”، لعام 2024.

كما تتميز هاته المرحلة بفتح ملفات قضائية ضد صحفيين، أكثر من 15 ملفًا قضائيًا خلال السنتين الأخيرتين، وفق تقديرات منظمات حقوقية.
وأكدت “الفدرالية” أن ما وقع يشكل “فرصة لإعادة تصحيح المسار لا لإعادة تدوير الأزمة”.

إلى أين يتجه الملف؟ 

يرى المراقبون أن القضية تتجاوز حدود حادثة عابرة، لتتحول لنقطة انعطاف حاسمة في مستقبل التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب. خاصة وأن الواقعة تتقاطع مع مفاوضات الدعم العمومي واتساع النقاش حول استقلالية المؤسسات المهنية. فضلا عن حساسية المرحلة المرتبطة بالتحولات التشريعية والرقمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.