قدم الفرع الجهوي “للجمعية المغربية لحماية المال العام”، بمراكش الجنوب، يوم 26 نونبر 2025، شكاية رسمية إلى “رئاسة النيابة العامة بالرباط”. طالب من خلالها بـ“فتح بحث معمق وشامل” حول ما وصفته بـ”شبهات فساد وتبديد واختلاس للمال العام، وغسل الأموال، واستغلال النفوذ، وتلقي منافع غير مشروعة”. وذلك في سياق تنفيذ البرنامج الملكي “مراكش الحاضرة المتجددة” الذي خصصت لإنجازه ميزانية تناهز 6,3 مليارات درهم (600 مليار و300 مليون سنتيم).
وفي هذا السياق فقد وجهت الجمعية طلبا رسميا إلى “رئيس النيابة العامة بالرباط”، تضمن وقائع ومعطيات ووثائق تزعم تورط مسؤولين ومنتخبين عموميين. أبرزهم “ي ـ ب”، البرلماني والنائب الأول السابق لرئيس المجلس الجماعي بمراكش، المكلف بتتبع أشغال البرنامج. متهمة إياه ب”استغلال مواقع النفوذ وتمرير صفقات وعقارات عمومية لشركات “صورية””، وفق نص الشكاية الذي تتوفر الجريدة على نسخة منها.
وأفادت الشكاية، بوجود، ما أسمته، شبكة اقتصادية – سياسية مفترضة تدير ما اعتبرته الجمعية “تداخلا بين المسؤولية العمومية والأنشطة التجارية الخاصة”، وهو ما ترى أنه يستدعي بحثا قضائيا معمقا لتحديد المسؤوليات وترتيب الآثار القانونية.
البرنامج الملكي: أهداف طموحة وواقع مثير للجدل
تم الإعلان عن إطلاق “برنامج مراكش المتجددة” عام 2014. وذلك بحضور جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. بهدف تحسين البنية التحتية الحضرية وتعزيز الجاذبية الاقتصادية والثقافية ل”مدينة مراكش”. وذلك عبر خمسة محاور كبرى، ضمنها تثمين التراث، تحسين التنقل، الاندماج الاجتماعي، الحكامة الجيدة والمحافظة على البيئة.
وأفادت “الجمعية” بأن “مجموعة من المشاريع لم يتم إنجازها أو تعثرت أو تغيرت أهدافها”. مستشهدة بمشروع “النافورة المحاذية لساحة القزادرية”، وورش “مدينة الفنون والإبداع”، الذي تقول إنه تجاوز عشر سنوات من التعثر دون افتتاح.
اتهام بوجود علاقات ومحاباة في تمرير مشاريع
يرتكز الملف الذي تقدمت به “الجمعية” على رصد ما أسمته “تداول أموال ضخمة”. ووجود علاقات متشابكة تربط بين “ي ـ ب” بأشخاص آخرين. وذلك عبر شركات تأسست في ظروف تم وصفها ب”المشبوهة” و”برأسمال ضعيف لا يتجاوز 100 ألف درهم”. متهما إياها ب”الاستفراد بعقارات عمومية وصفقات عن طريق التحايل على القانون”.
شبهات تحوم في ملف شركة “A – K”
أفادت الشكاية بأن “شركة A – K”، تأسست برأسمال قدره 100 ألف درهم فقط، تحمل عنوان “دوار عين دادا”. مبرزة أن “هذا العنوان هو نفسه عنوان أغلب شركات ي ـ ب”، وفق إفادتها. مشتبهة في أن اسم الشركة يحيل على اسم ابنة “ي ـ ب”.
وأوضحت الشكاية أن الشركة حصلت على عقد كراء من أملاك الدولة، بتاريخ مارس 2018، لعقار بمساحة 7500 متر مربع قرب المحطة الطرقية الجديدة، والتي هي جزء من البرنامج الملكي. مضيفة بأن الشركة التزمت باستثمار 52 مليون درهم. على الرغم من أن مسيرها الظاهر، “ح ـ م ـ ب” ، لا يتوفر على الضمانات المالية اللازمة.
شبهات في ملف “دار زنيبر” وشركة “النهضة تطوير”
أفادت الشكاية أن “شركة النهضة تطوير”، التي يحيل اسمها على فندق يملك فيه “ي ـ ب” أسهما استغلت عقارا عائدا لأملاك الدولة، (دار زنيبر). وأفادت الشكاية بأن المسير السابق للشركة “ح ـ متعلق ـ ب” وهب جميع حصصه لزوجته المسماة (ب ـ ع ـ ك). التي قامت لاحقا ببيع الحصص لشريك ” ي ـ ب” المسمى “ف ـ ع ـ ع”.
وأوضحت الشكاية أن الممثل القانوني الجديد، “ف ـ ع ـ ع”، المسير ل13 شركة ل”ي ـ ب”، قام بإبرام “عقد تسيير حر” مع شركة أخرى بمبلغ 10 ملايين درهم. معتبرة الأمر خرقا “للمادة 22 من عقد الكراء المتصل بأملاك الدولة”، الذي يمنع التفويت أو الإكراء من الباطن.
كما أبرزت الدخول في مسطرة التسوية القضائية للمدرسة الخاصة للتجارة التي تملك الأغلبية في “النهضة تطوير”. مع تحديد تاريخ التوقف عن الدفع ليشمل تاريخ إبرام عقد التسيير الحر.
الإطار القانوني والمسؤولية الدستورية
اعتبرت “الجمعية” أن هاته الأفعال تشكل مساسا بالنظام العام وتقويضا للقانون والعدالة، وفق إفادتها، مستندة في شكايتها إلى “الدستور المغربي” ومبادئ الحكامة والشفافية. خاصة “الفصول 154 و156” منه، المتعلقة بإدارة المرافق العمومية وفق مبادئ الحكامة والنزاهة والشفافية. و”الفصل 36 من ذات القانون”، الذي ينص على معاقبة حالات “تنازع المصالح”، وكل مخالفة ذات طابع مالي. إضافة للشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز.
وأكدت “الجمعية” أن هاته الشركات كانت واجهة لإدارة “أموال ضخمة يجهل مصدرها في عملية اعتبرتها “غسلا للأموال” و”جنيا لأرباح طائلة باستغلال المرفق العمومي”.
مطالب بإجراء بحث معمق
طالبت الجمعية رئيس النيابة العامة إصدار تعليماته “للفرقة الوطنية للشرطة القضائية” للقيام ببحث معمق وشامل لا يستثني أي محور من محاور ومشاريع “برنامج مراكش الحاضرة المتجددة”. والاستماع لإفادة كل من له صلة مباشرة أو غير مباشرة بالبرنامج. وعلى رأسهم “ي ـ ب”، والأشخاص الذين تربطهم به علاقات مالية وتسييرية. وهم كل من “ح ـ مـ ب”، “ك ـ ب ـ ع”، “ع ـ ح ـ ح”، “خ ـ ح”، “ف ـ ع ـ ع”، “إ ـ خ”، “ت ـ غ”، “ص ـ أ”، “د ـ ن” و”ن ـ س س”. إضافة لسلسلة من الشركات.
تجدر الإشارة إلى أن “الفصل 36 من الدستور، المتعلق بالفساد والنزاهة، يجرم فعل تضارب المصالح واستغلال النفوذ والاحتكار. حيث يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بتضارب المصالح واستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه. مؤكدا على ضرورة زجر السلطات العمومية الانحرافات المسجلة في الإدارات العامة. مشددا على تجريم الشطط في استغلال مواقع النفوذ والممارسات المخالفة للمنافسة الحرة.
كما ان “الفص 154من الدستور”، ينص على أن المرافق العامة تنظم على أساس المساواة والإنصاف والاستمرارية. كما أنها تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمساءلة. فيما يوضح “الفصل 156 من الدستور” أن المرافق العامة تتلقى ملاحظات واقتراحات وشكاوى المواطنين، وتقدم حسابا عن تدبيرها للأموال العمومية وتخضع للمراقبة والتقييم.
جدير بالذكر أن القانون الجنائي المغربي يجرم تبديد المال العام، التزوير، تكوين عصابة، الرشوة وغسل الأموال. حيث يحدد “القانون 43-05″، المتصل بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. حيث يضع التزامات على الأشخاص الخاضعين للقانون. مبرزا في الوقت نفسه أدوار “الهيئة الوطنية للمعلومات المالية”، (ANRF). وسلطات الإشراف. إذ ينص على عقوبات صارمة لمرتكبي هاته الجرائم. وذلك بهدف ضمان الامتثال للمعايير الدولية من خلال مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة وتجفيف منابع تمويل الإرهاب.
كما يحدد “القانون 31-13″، المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات الموجودة لدى الإدارات العمومية والمؤسسات والهيئات المنتخبة. شروط وكيفية ممارسة هذا الحق. إذ يمنح هذا القانون المواطنين المغاربة والأجانب المقيمين بالمغرب حق الوصول إلى هذه المعلومات، إما عبر النشر الاستباقي في بوابات البيانات العمومية والمواقع الإلكترونية، أو عن طريق تقديم طلب مباشر إلى المؤسسة المعنية. وهو آلية مهمة لتعزيز الشفافية والمساءلة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة.
وفي السياق نفسه أحالت “الجمعية” في شكايتها على تقارير “المجلس الأعلى للحسابات” التي سبق أن أثارت ملاحظات مرتبطة بالتدبير الترابي والاستثمار العمومي في عدد من الجهات.
وقد اعتبرت الجمعية أن بعض العقود المتعلقة باستغلال عقارات عمومية لإنشاء مشاريع استثمارية تمت في ظروف تستوجب التحقيق. مشيرة إلى عقود كراء لأملاك الدولة وعمليات تفويت الشركات وتغير مسيريها بشكل تصفه بأنه “غير مبرر اقتصاديا أو استثماريا”.
تأتي هاته الشكاية المودعة في سياق نقاش وطني متجدد حول محاربة الفساد الإداري وتفعيل توصيات النموذج التنموي الجديد. الذي شدد على أن “الثقة في المؤسسات تمر عبر العدالة، الشفافية والمسؤولية”.
تجدر الإشارة أيضا، أنه ووفق أحدث تقرير ل”منظمة الشفافية الدولية”، فقد سجل المغرب 37 نقطة من اصل 100 في فهرس تصورات الفساد لعام 2024. فيما بلغ مؤشر الفساد متوسط 37.08 نقطة من عام 1998 وإلى غاية عام 2024. وقد سجل أعلى مستوى على الإطلاق بلغ 47.00 نقطة عام 2000 وأدنى مستوى قياسي بلغ 32.00 نقطة عام 2004.
يفتح ملف “مراكش الحاضرة المتجددة” مجددا النقاش حول كيفية تدبير المشاريع الكبرى، وموقع الحكامة الجيدة في السياسات العمومية. ومدى قدرة المنظومة القانونية والقضائية على حماية المال العام وضمان شفافية تدبيره.