“موغريني” وسط زوبعة فساد متفجر داخل “الاتحاد الأوروبي” و”بروكسيل” تنتظر الارتدادات

محمد حميمداني 

محمد حميمداني 

 

في تطور قضائي أحدث زلزالا سياسيا وقانونيا داخل دوائر “الاتحاد الأوروبي”. وجه “المكتب الفيدرالي البلجيكي للمدعين العامين” اتهامات ثقيلة لمسؤولين مرتبطين ب“كلية أوروبا” فضلا عن “الممثلة العليا السابقة للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية”، “فدريكا موغيريني”. ذات صلة بشبهات وجود “احتيال في مناقصات، فساد، تضارب مصالح وانتهاك السرية المهنية”. وهي تهم تهدد بنسف صورة أحد أعرق مؤسسات التكوين الدبلوماسي الأوروبي.

مداهمة واسعة خلفت صدمة في “بروكسل”

وفق البلاغ الرسمي الصادر عن النيابة الفيدرالية. فقد شملت التحقيقات ثلاثة مسؤولين، ضمنهم أعضاء بارزون من “كلية أوروبا” ومسؤولون مرتبطون ببرنامج “الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية”. إضافة إلى “موغيريني”. التي تم تفتيش منزلها في “بروكسل” ضمن عمليات تفتيش واسعة طالت مقر “الخدمة الخارجية الأوروبية (EEAS)”. فضلا عن مقر “كلية أوروبا” ب”مدينة بروج” ومنازل أشخاص يشتبه في علاقتهم بالملف.

وفي هذا السياق، قال “المكتب الفدرالي البلجيكي للمدعين العامين”: إن القضية ترتبط بشبهة وجود “اختلالات في منح مناقصة مرتبط بإدارة الأكاديمية الدبلوماسية”. وهو برنامج رائد أطلقه “الاتحاد الأوروبي” بغاية بناء “جيل دبلوماسي أوروبي موحد”.

ما موقع الاتحاد الأوروبي من هاته القضايا؟

يرتكز التحقيق المباشر من قبل “المكتب” على أحكام أوروبية صارمة ذات صلة ب”لائحة الاتحاد الأوروبي المالية”، (EU Financial Regulation). خاصة المواد المتعلقة بالشفافية والصفقات العمومية.

تجدر الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بمجموعة من التشريعات الهادفة لزيادة الشفافية. أبرزها “توجيه شفافية الأجور EU 2023/970” لتقليل فجوة الأجور بين الجنسين، والذي يتطلب كشف معلومات الأجور. إضافة ل”لوائح تنظيم المساهمات المالية الأجنبية”، بغاية الحد من تأثير الدول غير الأعضاء على المنافسة في السوق الأوروبية. وذلك عبر إتاحة آليات إخطار للمفوضية الأوروبية (خاصة في صفقات المشتريات العامة). مع تأكيد مبادئ الشفافية العامة في صنع السياسات والإنفاق في الاتحاد. 

كما أن “مدونة السلوك الخاصة بالمفوضين الأوروبيين”، تمنع تضارب المصالح وتلزم باحترام السرية المهنية. مركزة بشدة على تجنب تضارب المصالح لضمان نزاهة القرارات واستقلاليتها. ملزمة أيضا باعتماد السرية المهنية للحفاظ على المعلومات الحساسة. مع إطار عمل صارم للكشف عن أي مصالح شخصية قد تتعارض مع الواجبات العامة. وذلك لتعزيز الثقة العامة وحماية سمعة المفوضية. وهو ما يقتضي إفصاحا كاملا وشفافية مستمرة، حتى بعد انتهاء الخدمة. وتعتبر هاته الالتزامات جزءا أساسيا من أخلاقيات الوظيفة العامة في الاتحاد الأوروبي. والتي يتم تطبيقها على جميع المستويات لضمان عدم استغلال المنصب لتحقيق مكاسب شخصية.   

وفي السياق ذاته لا يمكن إغفال “القانون الجنائي البلجيكي”، الذي يعاقب على جرائم الفساد واستغلال النفوذ والاحتيال في المناقصات.

جدير بالذكر أن “القانون الجنائي البلجيكي”، يعالج جرائم الفساد واستغلال النفوذ والاحتيال في المناقصات بشكل شامل. مستهدفا الرشوة، اختلاس الأموال العامة، إساءة استخدام الوظيفة واستغلال النفوذ. واضعا إجراءات قضائية صارمة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وحماية المال العام، وفقا للمبادئ التوجيهية الدولية. كما أن هناك قوانين إجرائية تنظم التحقيقات والملاحقات في هذه الجرائم. 

إطلالة حول “الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية” التي تفجر حولها الجدل

فازت “كلية أوروبا” بالمناقصة خلال عامي 2020 و2021. وذلك بغاية الإشراف على الأكاديمية، كمشروع استراتيجي للاتحاد الأوروبي يتضمن إقامة برنامج تكويني لمدة 9 أشهر. فضلا عن تدريب في “مدينة بروج” لمدة 4 أشهر وتدريب في “بروكسل”، داخل مقر “الأكاديمية الدبلوماسية الاوروبية، EEAS” لمدة شهر. 

ويتضمن برنامج التكوينات تأهيل دبلوماسيين شباب على إدارة التفاوض، البروتوكول، التواصل الاستراتيجي، فهم السياسات الأوروبية وصياغة القرارات.

وقد عرفت الدورة الأولى المقامة عامي 2022 و2023 مشاركة نحو 40 دبلوماسيا من دول “الاتحاد”، فيما ارتفع العدد بالتحاق 50 مشاركا جديدا في الدورة الثانية. وهو ما يعكس أهمية المشروع في بناء جهاز دبلوماسي موحد لأوروبا.

صمت “موغيريني” وتعاون من “كلية أوروبا”

لم يصدر عن “فدريكا موغيريني”، لحدود الساعة، أي تعليق رسمي. رغم تداول اسمها على نطاق واسع في الإعلام الأوروبي، خصوصا بعد مداهمة منزلها.  

في الجهة المقابلة، أصدرت “كلية أوروبا” بيانا مقتضبا أكدت فيه استعدادها للتعاون بشكل كامل مع السلطات البلجيكية. مؤكدة ثقتها بأن الحقائق ستتضح وفق القانون.

الفضيحة القنبلة وأثرها على “الاتحاد”

تأتي هاته الاحداث المتفجرة والتحقيقات الجارية في لحظة يطالب فيها الرأي العام الأوروبي بمزيد من الشفافية. ارتباطا بتسجيل فضائح سابقة وحصول تضارب في المصالح في بعض المفوضيات. مع موجة من الانتقادات حول غياب الرقابة الكافية على المناقصات الأوروبية.

ويحذر خبراء في الحوكمة بأن تؤثر هاته القضية على سمعة برامج الاتحاد الخاصة بتكوين الدبلوماسيين وشفافية الصفقات العمومية داخل مؤسسات “الاتحاد”. فضلا عن تقليل ثقة المواطنين الأوروبيين بالمفوضية والبرلمان.

فالقضية فجرت مفارقة خطيرة عنوانها كيف يمكن للاتحاد الاوروبي أن يدافع عن الديمقراطية خارج حدوده إذا لم يقم أولا بتطهير بيته الداخلي من الفساد.

فبين صمت “موغيريني”، وتأكيد “كلية أوروبا” تعاونها وصرامة النيابة البلجيكية. يبدو أن أوروبا تتجه نحو واحدة من أكثر قضايا الفساد حساسية داخل مؤسساتها. الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، خصوصا مع توسع التحقيقات واحتمال توجيه اتهامات إضافية، ما قد يعيد رسم خريطة الثقة داخل أجهزة الاتحاد. ف”الملف مفتوح وبروكسل تترقب الارتدادات العاصفة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.