من “سنو وايت والأقزام السبعة” وحتى اليوم ما الذي تغير وبقي في صناعة الأفلام؟
عبد الصادق عبد المغيث
عبد الصادق عبد المغيث
في 21 دجنبر من عام 1937. تم عرض فيلم “سنو وايت والأقزام السبعة” لأول مرة، لم يكن مجرد فيلم رسوم متحركة للأطفال، بل محطة تاريخية فارقة في مسار السينما العالمية.
فقد شكل هذا العمل الفني أول فيلم رسوم متحركة طويل ناطق وملون. مثبتا بقوة أن السينما قادرة على أن تكون فنا مؤثرا، لا مجرد وسيلة ترفيه عابرة.
منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا. شهدت صناعة الأفلام تحولات عميقة مست مختلف جوانبها. من التقنية إلى المضمون، ومن الهدف إلى طبيعة المتلقي. غير أن السؤال الجوهري يظل حاضرا: هل تطورت الرسالة بقدر ما تطورت الوسائل؟.
الثابت في صناعة الأفلام
رغم مرور ما يقارب قرن من الزمن، لا تزال بعض المرتكزات الأساسية قائمة. ضمنها القصة. ففي عام 1937 كانت الحكاية بسيطة وواضحة. صراع بين الخير والشر وانتصار القيم الإنسانية. وفي يوما هذا، مهما تعقدت الحبكات وتشعبت الشخصيات، تبقى القصة هي روح العمل السينمائي.
إضافة للقصة نجد التأثير الوجداني. إذ هدف صناع الأفلام قديما للمس مشاعر المتلقي. من خلال إثارته للدهشة، التعاطف، الخوف وبعث الأمل. الهدف هو هو لم يتغير، لأن السينما التي لا تثير إحساسا لا تترك أثرا.
كما ان مجمل الاعمال الفنية تسعى للوصول إلى الجمهور. إذ سواء تم عرض الفيلم في قاعات السينما القديمة أو عبر المنصات الرقمية الحديثة. يبقى الجمهور هو المقياس الحقيقي للنجاح.
المتحول في الصناعة السينمائية
ما يميز السينما عن غيرها من الفنون يكمن في هيمنة التقنية. ففي زمن “سنو وايت”، كانت التقنية في خدمة القصة. أما اليوم، ففي كثير من الإنتاجات، أصبحت المؤثرات البصرية غاية في حد ذاتها، والتي تكون أحيانا على حساب العمق السردي.
سابقا كان الهدف فنيا وتربويا في آن واحد. أما اليوم، فقد طغى المنطق التجاري، منطق الأرقام، المشاهدات والانتشار السريع. حتى بات الربح هو المحرك الأساسي لكثير من الأعمال.
الرسائل من جانبها تغيرت. إذ كانت رسائل الأمس مباشرة وبسيطة. أما اليوم فقد أصبحت ملتبسة، أو مجففة من قيمها، أو مستبدلة بخطابات استهلاكية وسطحية.
بين سينما الأمس وأخبار التفاهة اليوم
إذا قارنا أفلام الأمس بما يتم ترويجه اليوم من أخبار التفاهة ومحتويات الاستهلاك السريع. نلاحظ أن العمل الفني فقد في كثير من الأحيان مكانته كحدث ثقافي.
فقد كنا أمام مناقشة الافلام وتحليلها بعد عرضها، بل وإعادة مشاهدتها لمرات. أما اليوم فكثير من الإنتاجات يتم استهلاكها بسرعة ويتم نسيانها بالسرعة ذاتها.
الهدف من صناعة المحتوى بين الامس واليوم
في الأمس كنا امام اعمال فنية تهدف لترسيخ القيم الإنسانية، بناء الوعي وتقديم الأمل عبر حكاية بسيطة وعميقة. اما اليوم فيتراوح الهدف بين الترفيه الذكي في أحسن صوره. وبين ملئ الفراغ وصناعة الضجيج في أسوأ حالاته.
المتلقي… هل ما زال بصدر رحب؟
المتلقي المعاصر أصبح أكثر وعيا، لكنه أيضا أكثر إنهاكا. فوفرة المحتوى جعلته انتقائيا، لا يستقبل كل الرسائل بالانفتاح نفسه. ومع ذلك، يظل هذا المتلقي مستعدا لاحتضان كل عمل صادق يحترم عقله ويقدم له معنى حقيقيا.
وهكذا فمن 21 دجنبر 1937 إلى اليوم، تطورت السينما تقنيا بشكل مذهل. لكنها تواجه تحديا أخلاقيا وفكريا حقيقيا. فالتقدم لا يتم قياسه بما نملك من أدوات، بل بما ننتجه من قيم ومعان.
ويبقى السؤال مفتوحا. هل نريد محتوى يشاهد فقط، أم محتوى يذكر ويؤثر؟.
| وجه المقارنة | سينما الأمس (سنو وايت نموذجاً) | محتوى اليوم (المنصات الرقمية) |
| الهدف الأساسي | فني، تربوي، وترسيخ للقيم الإنسانية. | تجاري، ربحي، وصناعة “الضجيج” الرقمي. |
| دور التقنية | وسيلة لخدمة القصة وإثارة الدهشة. | غاية في حد ذاتها (أحياناً على حساب المعنى). |
| طبيعة الرسالة | مباشرة، بسيطة، وعميقة الأثر. | ملتبسة، استهلاكية، وسريعة النسيان. |
| علاقة المتلقي | احترام للعقل، مناقشة، وتحليل ثقافي. | إنهاك بصري، انتقائية، واستهلاك لحظي. |