محكوم سابقا بالإعدام: عشت رعب الموت يوميا .. والجريمة لا تبرر القتل

قال أحمد الحو، محكوم بالإعدام في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني بتهمة “المس بالنظام العام” سنة 1984، إنه يتفهم الأصوات المغربية التي تطالب بالإعدام، لكنه يعتبرها “قاسية، لأن أي جريمة مهما كانت بشاعتها لا تبرر أن يتم قتل أي إنسان باسم القانون الوضعي الذي ينتظر منه أن يكون عادلا؛ فإذا قتل شخص ما، فيجب أن تحاكمه العدالة بأقصى العقوبات، ولكن ليس القتل، ليس الإعدام”.

وأفاد الحو، في حديث لمنبر إعلامي، بأن “الفترة التي قضاها في السجن كانت عبارة عن موت يومي ورعب مطلق، لكون السجناء في حي الإعدام وقتها لا يعرفون متى سيتم تنفيذ العقوبة”، موردا: “كلما تحركت المفاتيح أو سمعنا صوت الأقدام، شعرنا بأن الموت قادم وأن المشنقة تتريث في ركن ما؛ لقد شاهدت إعدام الحاج الثابت سنة 1993 بتهم تتعلق بالفساد والاغتصاب والاختطاف، وحينها تضاعف الخوف، لكوننا صرنا نعتقد أن بداية التنفيذ تتجه نحو الحسم معنا جميعا”.

وتابع المعتقل السياسي السابق ضمن “مجموعة 71” الإسلامية بأن “الأوجاع تطفو إلى سطح الذاكرة كلما نادى المغاربة بتطبيق حكم الإعدام، فأقول دائما: ليس من رأى كمن سمع، وأنا رأيت وسمعت وعشت ذلك التدمير النسقي لمعنى الحياة في السجن في انتظار الإعدام”، مضيفا أن “أغلب المغاربة الذين يطلبون تنفيذ الإعدام ينطلقون من أحكام انفعالية وعاطفية بعد أن تهز قضية ما الرأي العام، ولكن قد يبدو بعد فوات الأوان أن الجريمة لا تستدعي حكم الإعدام”.

وذكر المتحدث، الذي لخص حكايته في كتاب بعنوان “عائد من المشرحة”، أن “الإعدام لن يخدم المغرب أو صورته، وسيجعلنا ننتمي إلى عصور قديمة، في حين إن لبلدنا اتفاقيات وقع عليها دوليا، ولذلك نجد المغرب يحكم بالإعدام ولا ينفذه، وهذا يجعل من الموت نظاما متراصا يعاد تدوير مفعوله كلما سطعت شمس اليوم الموالي”، وزاد: “كانت تلك التجربة جحيما حقيقيا، خصوصا أنها اختطفتني من أحبابي وأهلي وأنا في عمر الزهور، كنت أبلغ حينها 22 سنة فقط”.

وأكد الحو أن “المغرب صار يتجه نحو التصالح مع ماضيه، وصارت الأوضاع أكثر هدوء ولطفا، لكني أستحضر حين تمت تعريتي بالكامل في شروط تحط من الكرامة؛ كانت تلك من أقسى اللحظات التي عشتها في حياتي، لكوني عرفت أنني أعجز أمام كيان سلطوي متغطرس لا حد لتجبره”، موضحا أن “تجربة الشعور باقتراب الموت لا يمكن أن أرجوها لأي شخص في هذه الحياة، ولا يجب أن نفكر بمنظور الانتقام عبر القانون، لأن الإعدام لم يكن حلا للجريمة، بل التربية هي الحل”.

ومضى شارحا: “سنة 1994، أي بعد عشر سنوات، تم تحويل الحكم إلى المؤبد، كنت حينها قضيت عشر سنوات أنتظر موتا موعودا، لكنه كان متأخرا، ولو تم تنفيذ الإعدام لكان ذلك أرحم حينها؛ فلقد كانت لتلك الفترة كلفة نفسية وجسدية كبيرة أحمد الله أنني خرجت منها سالما اليوم”؛ وقال: “كان هناك صمت وأضواء ساطعة تتحالف لتعمق عملية التعذيب النفسي؛ عانيتُ معاناة حقيقية مهما تحدثت عنها فلن أستطيع وصفها بموضوعية لكونها مازالت تقتاتُ من أجزاء مني ومن ذاكرتي وعذابي”.

ولم يفوت المتحدث أن يذكر اللحظة حين تم إخباره بالإفراج، فقال: “حين أخبرت، في البداية لم أصدق، لكني عندما رأيت الضوء، شعرت بولادة جديدة. ولذلك، ما زلت إلى اليوم أؤكد أنني ولدت مرتين، حين خرجت من بطن أمي، وحين صالحتني الحياة وقررت أن تمنحني فرصة أخرى للعيش بعد تجربة الحكم علي بالإعدام”، مسجلا أن “هذه التجربة ليست دراما، وليست لاستئثار العاطفة، بل هي حقيقة يجب أن نتأملها، لأنه لو تم تطبيق الإعدام في حقي لما استطعت البوح، ولما تمكنت أن أشرح لأهلي وبلدي أن الإعدام ليس حلا”.

وأجمل المتحدث بأنه “تحول إلى النضال من أجل إلغاء العقوبة السالبة للحياة بالمغرب، لكونها عبئا على منظومة العدالة المغربية”، لافتا إلى أن “التعافي الكلي من تلك المرحلة مازال صعبا، فلفترة طويلة كنت أعيش معها وتعيش معي، والآن أنا شبه متحرر منها، لكن كلما عاد النقاش إلى عقوبة الإعدام أعود إلى الزنزانة المتخيلة وإلى الحارس المتجهم وإلى اللحظة حيث حُملتُ إلى المستشفى عدة مرات جراء الإضراب عن الطعام؛ حكايات ما زلتُ أقصها علّ حكيما يلتقطها ليستخلص أن القتل لا يمكن أن يكون قانونا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.