هل من قدر المغرب وحرية التعبير، وضمنها حرية الصحافة. أن تعيش على وقع المأساة المتكررة التي لا تتوقف إلا على جراح جديدة. إذ يبدو أن القوى الأمنية بمدينة “الخميسات” عليها مراجعة حساباتها والخضوع لدورات تكوينية لاستيعاب مضامين الدستور المغربي. للعمل بالتالي على الدفاع عن تنزيله واحترام مقتضياته، بدل خرقه وذبح الحقوق والحريات باسم النظام والحفاظ عليه.
ما وقع ب”الخميسات”، وتوقيف الزميل “مراد بوعلام”، مراسل “جريدة أصوات”، خلال أدائه لمهامه يضع القوى الأمنية والسلطة القضائية ب”الخميسات” موضع مساءلة. وبالتالي هو تقييم لمدى دفاعها وتنزيلها للمقومات القانونية والدستورية الضامنة للحقوق والحريات وفق دستور 2011 والتوجيهات الملكية السامية المؤكدة على ترسيخ هاته الحقوق.
فهل قدر “المغرب” وهو لم يخرج بعد من حالة التوثر الملتهبة في الشارع. أن ينفتح على جرح جديد وقتل للديمقراطية وحرية الممارسة الصحافية بدعاوى بالية اكل الدهر عليها وشرب.
فالمغرب بلد الديمقراطية والحقوق والحريات، وعلى النيابة العامة وعي ذلك والدفاع عن هاته القناعة وترسيخها باعتبارها ممثلة لجلالة الملك، حفظه الله، في مجال ترسيخ هاته القيم. وبالتالي الضرب بيد من حديد على يد خارقيها وممرغيها في التراب مهما كانت البزة التي يحملونها، والمسدس الذي يستعملونه، والقسم الذي أدوه. لأنه لا سلطة تعلو فوق سلطة الدستور والقانون والتوجيهات السامية لجلالة الملك “محمد السادس” نصره الله وأيده.
ما وقع ب”الخميسات” ضرب للقوانين وللأسس الدستورية وللتوجيهات الرسمية الصادرة. وهي تضع الزيت في أجواء البلاد الملتهبة. وترسل بالتالي رسائل إضافية بلا وعي منها يتم استثمارها من قبل أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية للهجوم على بلادنا.
فما الجرم الذي ارتكبه الزميل “بوعلام” سوى انه أدى واجبه الوظيفي في نقل الوقائع والأحداث بمصداقية وموضوعية، وهو جوهر العمل الصحافي. فضلا عن إنارة الرأي العام بالمعطيات الصادقة بدل لغة التوثير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إضافة لمساعدته القوى الأمنية في تجاوز صورة جديدة قد تشوه صورة البلاد. فاعتقاله واقتياده بهاته الطريقة المهينة هو اعتداء على قدسية الدستور. وبالتالي تمريغ لهيبة القوانين ذات الصلة بالحقوق والحريات. الأمر الذي يقتضي الشجب والإدانة. مع تحميل السلطات القضائية المسؤولية عن هاته الخروقات التي تضرب جوهر القانون. ومطالبتها بتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن الحقوق والحريات وإطلاق سراح الزميل “بوعلام” فورا.
كما انها رسالة للتنظيمات النقابية ذات الصلة بالصحافة والإعلام والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. إضافة للتنظيمات الحقوقية والجمعوية لتتحمل مسؤولياتها. ليس في المطالبة بإطلاق سراح الزميل “بوعلام” فقط، بل في مواجهة كل شكل من اشكال التعدي والخرق للأسس الدستورية والقانونية التي تقوم عليها المملكة المغربية الشريفة، بقيادة مولانا امير المؤمنين حامي وضامن الحقوق والحريات.
تضامن مجتمعي مع الزميل “بوعلام”
نقلت مجموعة من الآراء المعبر عنها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. شجبا لهذا السلوك المخالف للمقتضيات القانونية والدستورية.
فقد اعتبرت أصوات من الفضاء الأزرق أن كل ذنب الزميل “بوعلام”، أنه حاول إقناع شاب محتج فوق عمود كهربائي قرب المستشفى الإقليمي بالعدول عن أي سلوك ضار. وهي خطوة وطنية تقتضي الثناء والتكريم وليس التوقيف والاعتقال.
اعتقال الزميل “بوعلام” تصفية لحسابات
اعتبرت أصوات أخرى ان اعتقال “بوعلام مراد” يعكس وجود حسابات ضيقة وحقد دفين تجاه مناضل شريف معروف بخدمته للخير ومواقفه النزيهة. وسلوكه الأخلاقي المميز ودفاعه عن الضعفاء ومحاربة المفسدين. مبرزة انه هاته المواقف جعلته هدفا لمن لا يريدون الخير للوطن والمواطنين.
أصوات أخرى أعلنت عن تضامنها الكامل واللامشروط مع الزميل “مراد بوعلام”. مطالبة الجهات المعنية بإطلاق سراحه فورا. احتراما لحقوق الإنسان وحرية التعبير وصونا لكرامة كل من يسعى إلى خدمة الصالح العام. فيما رأت أخرى أن هناك خلفيات سياسية فضلا عن يد الفساد وراء الاعتقال.
تطور مثير يلقى شجبا محليا
إن واقعة اعتقال الزميل “بوعلام” هو تطور خطير ومثير. على اعتبار أن كل الجرم الذي ارتكبه هو محاولته مساعدة القوى الامنية في أداء مهامها. كما يفعل المواطنون والوطنيون في كل الكوارث. فهل إقناع شاب فوق عمود كهربائي قرب المستشفى الإقليمي، بالعدول عن فكرة “الانتحار” جريمة؟ وهي الوقائع الموثقة عبر شريط فيديو. وهو ما يفتح مجددا تساؤلات حول مدى احترام الأجهزة الأمنية والقضائية للمقتضيات الدستورية الضامنة لحرية التعبير والصحافة.
تجدر الإشارة إلى أن الواقعة، التي هزّت الرأي العام المحلي. تأتي في وقت دقيق يشهد فيه المغرب احتقانا اجتماعيا متزايدا. وهو ما يضع مسؤولية جسيمة على عاتق السلطات الأمنية والقضائية في التعاطي بعقلانية وضمن المساطر القانونية مع كافة الأحداث دون تجاوز.
فالنص الدستوري واضح، وهو ما يعكسه “الفضل 28 من الدستور المغربي” لعام 2011، الذي ينص على: أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”. إضافة “للفصل 19 المؤكد على: أن الرجل والمرأة يتمتعان “على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”. فضلا عن “قانون الصحافة والنشر رقم 88.13″، الذي ينص على: أنه لا يجوز اعتقال الصحفي بسبب رأي أو عمل مهني، ما لم يتعلق الأمر بجنحة غير مرتبطة بالنشر.
وارتباطا بهاته المقتضيات، فإن اعتقال الزميل “بوعلام” غير مؤسس ولا سند قانوني واضح له. وهو ما يعد انتهاكا صريحا لمبدأ “عدم تقييد الحرية إلا بأمر قضائي معلل”، كما نصت عليه “المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
مواكبة زكتها الأصوات التي تم إطلاقها عبر صفحات “فيسبوك” و”تويتر” والتي اعتبرت الخطوة: “تصفية لحسابات سياسية ضد مستشار جماعي نزيه”. في حين وصف آخرون الحادث بـ”انفلات أمني وحقوقي يعكس هشاشة في التعامل مع الوضعيات الإنسانية”.
إجماع مجتمعي على ضرورة إطلاق سراح “بوعلام” واحترام القانون والدستور
دعت عدة اصوات مجتمعية وحقوقية وإعلامية بإطلاق سراح “بوعلام” الفوري، دون قيد أو شرط. مع تحميلها الأجهزة الأمنية مسؤولية الانزلاق نحو تكميم الأفواه. فضلا عن مطالبة النيابة العامة بفتح تحقيق في ظروف الاعتقال.
الاعتقال الخرق للقانون والتحديات
تعيش بلادنا في ظل تحديات داخلية وخارجية. وهو ما يجعل هذا السلوك الأمني “قميص عثمان” الذي يمكن أن يستثمره أعداء المغرب، في ظل الأوضاع التي تعيشها بلادنا. في التشكيك في التزامات المغرب الحقوقية، خاصة وأنه عضو في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، ومصادق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
إن الاعتداء على الصحفيين، كما تؤكد على ذلك “الأمم المتحدة” هو: ” هجوم على الديمقراطية نفسها”. وهو ما يستوجب مراجعة جدية للممارسات الميدانية للأجهزة الأمنية والقضائية بالمغرب.
فما وقع في “الخميسات” لا يمكن النظر إليه من زاوية ضيقة بل تحديا لمدى احترام السلطات للدستور والقوانين. وأيضا لإرادة الدولة في احترام حرية التعبير. فضلا عن خلق بيئة صحفية آمنة، كما يؤكد على ذلك جلالة الملك “محمد السادس”، نصره الله. في العديد من خطبه السامية.
فالمطلوب اليوم ليس فقط إطلاق سراح الزميل “بوعلام مراد”. بل إعادة تقييم شامل لمنظومة العلاقة بين الصحافة والمؤسسات الأمنية، ضمانا لدولة الحق والقانون. لأن هاته الممارسات تبرز وجود فجوة بين النصوص الدستورية والتطبيق على الأرض. فلا يمكن لقضية أن تنتصر عندما يتم سجن رجال الإعلام. فالأمر دليل ضعف مؤسساتي خطير وهو ما يقتضي التصدي بقوة القانون والدستور لتقويم كافة الاعوجاجات والانفلاتات المسجلة. والتي تؤثر بالضرورة على سمعة بلادنا في مجال الحقوق والحريات واحترام الكرامة الإنسانية.